لا يمكن فهم تصريح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي أطلقه، وهو يستقبل بشار الأسد، وقال فيه: «إن الأمة الإيرانية لن تتراجع قيد أنملة بشأن حقها في الطاقة النووية»، إلا على أنه ردّ على مهمة الوساطة التي جاء بها الرئيس السوري بطلب من الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي من خلال هذا الطلب أراد إيجاد مبرر لزيارته المقررة إلى دمشق يقنع به الأوروبيين وقبل ذلك الولايات المتحدة الأميركية.

Ad

لقد كان بإمكان نجاد أن يرفض الوساطة التي جاء بها الرئيس السوري إلى طهران بطريقة لبقة وبأسلوب غير حاد، أما أن يقول ما قاله، وهو يستقبل بشار الأسد في مطار مهراباد، فإن هذا يعني أن القلوب متورمة بغير ما يمكن استشفافه من العناق الحار ومن القبل «الأخوية»، وأن هناك وراء الأكمة ما وراءها، وأن سياسة دق الأسافين بين عمودي «فسطاط الممانعة» الرئيسيين قد تكون حققت بعض النجاحات التي عمل من أجلها الفرنسيون بدعم وتشجيع الولايات المتحدة.

لو لم يستقبل محمود أحمدي نجاد ضيف إيران «العزيز» بهذا الكلام القاسي الذي لا علاقة له لا بالأعراف الدبلوماسية ولا بلغة التخاطب بين الأشقاء والحلفاء، لكان بالإمكان تصديق تأكيدات وزير الخارجية السوري وليد المعلم التي نفى فيها أن يكون الرئيس بشار الأسد قد جاء إلى طهران للتوسط في مسألة القدرات النووية الإيرانية، ولكان بالإمكان أيضاً تصديق ما نُسب إلى مصادر سورية من أنه لا يوجد أي رابط بين موعد هذه الزيارة والمهلة المعطاة للإيرانيين للرد على عرض الحوافز الذي تقدمت به الدول الغربية.

فالمؤكد أن نجاد يعرف تمام المعرفة أن السبب الرئيسي لزيارة الرئيس بشار الأسد هذه، هو إبلاغ رسالة فرنسية للقيادة الإيرانية وعلى رأسها السيد مرشد الثورة علي خامنئي. ولذلك- ولأن هناك خلافات داخلية بين مراكز صنع القرار في طهران بشأن هذا الأمر- فإن الرئيس الإيراني بادر بقول ما قاله خلال استقباله للزائر السوري في مطار مهراباد لإفهامه أنه لا مجال للحديث والأخذ والعطاء بالنسبة إلى ما هو قادم من أجله، وأن هذه المسألة باتت محسومة، و«أن الأمة الإيرانية لن تتراجع قيد أنملة عن حقها في الطاقة النووية».

وهنا فإنه بالإمكان الاعتقاد حتى حدود الجزم بأن هناك خلافات فعلية طاحنة بين مراكز صنع القرار في طهران بشأن المهلة التي أعطاها الأوروبيون للإيرانيين للرد على عرض الحوافز الأوروبية، ولذلك فإن نجاد سارع لإفهام الرئيس السوري فور وصوله إلى مطار مهراباد بأن القرار الإيراني الأول والأخير بالنسبة إلى هذا الأمر، هو قراره، وأنه قد يسمع آراءً ووجهات نظر كثيرة، لكن الموقف النهائي هو: «أن الأمة الإيرانية لن تتراجع قيد أنملة عن حقها في الطاقة النووية».

وبالطبع ورغم هذا الاستقبال الجاف وغير اللائق الذي استقبل به محمود أحمدي نجاد رئيس الدولة العربية الوحيدة، التي يربطها بإيران تحالف استراتيجي، سياسي واقتصادي وعسكري، والتي أدارت ظهرها لأشقائها العرب كلهم ووقفت إلى جانب طهران في حرب الثمانية أعوام مع العراق في عهد صدام حسين، فإنه لا يجب توقع قطيعة بين طهران ودمشق أو توقع انهيار هذا التحالف الذي بقي صامداً منذ عام 1979، إذْ إن ما يجمع إيران وسورية حتى الآن أكثر مما يفرقهما، وإذْ إنه بالإمكان التغلب على بعض الخلافات التكتيكية مـن خلال مبدأ «التقية» المعروف.

ربما لم يتطرق الرئيس بشار الأسد، الذي هو بحاجة إلى توسيع هوامش مناوراته مع الفرنسيين والأوروبيين عموماً ومع الإسرائيليين والأميركيين، إطلاقاً إلى موضوع إيقاف إيران لجهودها المتسارعة لإنتاج أسلحة نووية، لكنه بالتأكيد تطرق إلى ضرورة إعطائه ما يمكن تسويقه على ساركوزي الذي من المقرر أن يزور دمشق قريباً، والذي لا يريد أكثر من أن يقول له الرئيس السوري إنه ذهب بنفسه إلى طهران، وإنه تأكد من أنه لا أهداف للإيرانيين من عمليات التخصيب الجارية على قدم وساق إلا الأهداف السلمية، وإنه عندما يقول محمود أحمدي نجاد: «إن الأمة الإيرانية لن تتراجع قيد أنملة عن حقها في الطاقة النووية»، فإنه لا يقصد إلا هذه الأهداف السلمية. وبهذا... فإنه يمكن وصف هذه الزيارة ورغم كل شيء بأنها زيارة ناجحة.

*كاتب وسياسي أردني