إلغاء المشاريع الكبرى لم تكن لتنفرد به الكويت لولا تداعيات الأزمة المالية التي طالت دولا كثيرة تملك ملاءة مالية، وقد سجلت اقتصاداتها طفرة نوعية وكبيرة خلال الأعوام السابقة. فهل ما اتخذته تلك الدول من إجراءات جلبت لها التناحر والتشكيك بالذمم؟ وهل التصعيد السياسي عندها يوجه ضد أشخاص بعينهم؟

Ad

الناظر إلى ما يدور حولنا من انهيار لكبرى شركات وبنوك العالم وعلى مستوى الولايات المتحدة وأوروبا، وما تبعها من قرارات كالاستغناء عن آلاف الموظفين، وتخفيض للإنتاج متبوع بدعم مباشر بمليارات الدولارات التي لم يعقبها أي تصعيد سياسي أو مطالبة بإقالة حكومات تلك الدول أو رئيس حكوماتها؟

والناظر أيضا إلى دول الجوار من خليجنا العربي يعرف أيضا أن المشاريع التنموية قد توقفت، فوصل الأمر بوقف كاملٍ لبعضها، على الرغم من بدء العمل بها، فهل كانت السهام توجه إلى رؤساء حكوماتهم؟ وهل طالبهم أحد بالتنحي عن مواقعهم؟ إن ما أصابهم من أثر الأزمة الاقتصادية يفوق تصور الكثيرين، فالأسعار وصلت إلى ما دون 50% في القطاعين العقاري والمصرفي، ومع هذا كله لم نرَ أحداً يرفع شعار استقالة الحكومة أو محاكمة من أمر بوقف تلك المشاريع الكبرى، ولم يكن التشكيك شعارهم.

استقالة الحكومة كانت لنزع فتيل الاستجواب الثلاثي، وقد نجحت في ذلك، حيث تجنبنا الاحتمال الأسوأ، وهو حل مجلس الأمة كون الاستقالة لم تتضمن عدم تعاون، وعليه كانت الثقة بالحكومة ومجلس الأمة على حد سواء، كما أود أن أذكر أن عدم صعود المنصة من قبل سمو الرئيس لم يكن ليفسر ضعفاً بل انتصارا للوحدة الوطنية، حيث قدمت فيه المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.

الحكومة هذه المرة لم تمثل بأحد أعضاء الحركة الدستورية حليف الأمس التي دأبت على وجود أحد منتسبيها في الحكومات السابقة، لذا انطلق التصعيد ضد رئيس مجلس الوزراء من «حدس» بسرعة البرق، وكأن الرد أريد به إظهار القوة والحسم.

مطالبة سمو الرئيس بالصعود إلى المنصة يوافق الأدوات الدستورية، ولكن هناك سؤال للتذكير: أين كان النواب من الذين يحملون صفة عضو مجلس حتى الآن... وبغض النظر عما احتواه استجواب السيد القلاف للشيخ محمد الخالد وزير الداخلية لكن المهم، كيف كان تصويتهم على عقد الجلسة السرية، حيث سجلت أعلى نسبة غياب للنواب خلال جلسة التصويت 29 نائبا، وأعلى نسبة امتناع عن التصويت 13 نائبا (خلونا نعرف من مع الديمقراطية)؟

موقف السيد محمد العليم من صفقة الـ«داوكيميكال» لم يكن مدعاة للشك واجتهاده كان للمصلحة العامة، إلا أن الأزمة الاقتصادية العالمية هي السبب الرئيس بوقف المشروع، لكن ربطها بمساءلة الرئيس له تداعيات تقلق كل الكويتيين، فهل تجد لغة الحوار الهادئ والنصيحة الصادقة الأذن الصاغية من أعضاء المكتب السياسي لـ«حدس» وهي التي تحظى بالاحترام الشعبي والحكومي ومن أعلى مستوى؟ صحيح أن العودة إلى صناديق الاقتراع هي المحك الحقيقي لكل القوى السياسية، لكن تعطيل القوانين والتشريعات المرتبطة بالتنمية و بحياة المواطن تستحق أن نقف معها لا ضدها!

في السابق كان الاستجواب يعتمد على تجاوزات إدارية وفنية، بحيث تعرف له طعماً وتجد له مؤيدين ومتابعين، أما اليوم فالاستجوابات موجهة إلى شخص الرئيس وكأنه للانتصار السياسي، وبذلك تجد هذا الامتصاص الشعبي مع تقديرنا الكامل بأحقية النائب في استخدام أدواته الدستورية، لكن يجب أن تستخدم في محلها وبمراقبة ذاتية وضمير حي.

مثالية الأعضاء التي يلبسها وينزعها البعض على مزاجهم هي ما يجب أن نخشاه، فالمثالية تعني تفرغكم لعملكم الذي انتخبتم لأجله، وهو المراقبة والتشريع لا المساومات والتصفيات وعقد الصفقات المشبوهة، فمتى ما كنتم على المستوى، ولم تلبسوا الأقنعة، ومتى ما ثبتم على مواقفكم (على وضح النقا) ستجدوا عزكم الذي ضاع.

وقد أقر مجلس الشيوخ والنواب خطة لتحفيز الاقتصاد الأميركي بـ787 مليار دولار، وللتنويه لم يصوت حزب الجمهوريين على الخطة، ولم نرَ هذا التصيد، بل رأينا احتراما للديمقراطية. ماذا لو أقرت الحكومة أو النواب خطة إنقاذ بعشرة مليارات دينار «شنو» كان ردة الفعل عندنا؟ «أظن بركان»!!

***

أخيرا الدور الذي تقوم به المدونات والجرائد الإلكترونية بمتابعتها للأحداث اليومية يدل على أن أمية الحاسوب في الكويت في طريقها إلى الزوال، وهنا أحب أن أخص بالشكر زووم (zoom.k.w) على متابعتها لي شخصيا.

مع التحية.