فيما تعلو الأصوات حول التقارب بين الأديان والوسطية والشفافية على المستوى الرسمي في الكويت وكل دول الخليج تبقى الممارسات الحقة بعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكال التسامح ناهيك عن التقارب.

Ad

في الأسبوع الماضي فرضت وزارة التربية على مدرسة «البيان ثنائية اللغة» الخاصة نزع أوراق في كتاب القراءة للغة الإنكليزية Elements of Literature: Holt Adapted Reader-Grade 6، وشطب كلمات في صفحات أخرى بالحبر الأسود. وذلك رغم أن الكتاب موجود من سنين ويُدرَّس في أعرق المدارس في الولايات المتحدة الأميركية للأطفال في الصف السادس كما هي الحال في مدرسة البيان الخاصة. وهو عبارة عن تجميع لمقاطع من الأدب العالمي والشعر والمعلومات العامة مكتوبة بشكل مبسط ومصور يتناسب وأعمار الأطفال في هذه المرحلة.

وما هي هذه الصفحات الخطرة التي تطلبت تدخل الوزارة؟ وما هي تلك الكلمات التي كادت أن تودي بأخلاق وقيم أبنائنا؟ الصفحات المنزوعة عبارة عن تعريف Hanukkah أو هنوكية وهو عيد يهودي معروف. أما الكلمات التي فُرض على الطلبة مسحها فهي (pig) الخنزير، (pigging) الجشع أو البخل، (wine) النبيذ وغيرها من الكلمات المشابهة في «الخطورة».

وعندما تساءل الطلبة عن سبب طلب المدرسة قص هذه الوريقات من الكتاب الكبير وإلقائها في القمامة قالت لهم «حرام أن نقرأ أو نتعلم عن أديان أخرى غير الإسلام»! هكذا وببساطة ظهرت الفتوى ونفذت من دون أي حرج أو خجل.

ما أساس هذه الفتوى؟ ومن أصدرها؟ ومن أعطى الوزارة والمدرسة حق تطبيقها بالقوة؟ ما الضرر في أن يتعلم الأطفال عن اليهودية أو المسيحية أو البوذية؟ هل ديننا بهذه الهشاشة التي يقضي عليها مقال من 4 صفحات؟ هل هذا هو السبيل للتسامح وتقبل الآخر؟ هل هذا هو تقارب الأديان الذي يسعى له الزعماء؟ ماذا استفدنا من إلغاء الخنزير والنبيذ من الكتاب؟ هل اختفى الخنزير من العالم؟ هل حمينا الأطفال من خطر الكحول والإدمان؟ هل إلغاء الكلمة يعني إلغاء المفهوم؟ هل ستلغى كلمات الخنزير والخمر والميسر من القرآن الكريم أيضا؟

الذي تعلمه الأطفال هو الاستخفاف بقيمة الكتاب والعنف في مواجهة الرأي المعارض والتناقض بين درس التربية الإسلامية والتصرفات «الإسلامية» ، أما على صعيد المحتوى المحذوف فهو على ما أعتقد الدرس الوحيد الذي اعتنوا بقراءته! فالجميع توجه لصفائح القمامة ليقرأ ما طُلب منهم حذفه من باب أن الممنوع مرغوب. وهو درس لا أعلم متى تعيه العقليات المتحجرة خلف المنع والحجب.

كل الفكرة لاستثمارنا في تعليم أطفالنا في المدارس الخاصة هو خلق شخصيات سوية وتعليم متوازن وغير مسيَّس بعيدا عن مشاكل وعاهات وزارة التربية. فلو كانت قد نجحت سياساتها التعليمية لما رأينا رجالا متعلمين ينساقون وبكل سهولة للمعتركات الطائفية والمذهبية والعرقية. ولما تخرج من نظامها المسلمون المنافقون الذين يدعون إلى الإرهاب ويشاركون في الانتخابات الفرعية ولا يشعرون بأي شكل من الولاء لهذا الوطن.

ثروتنا الوحيدة تعليم أبنائنا فرجاءً كفوا أيديكم عنه!