القمة الخليجية والهاجس الإيراني
يبدو أن ما يمكن اعتباره «شعوراً خليجياً بالمرارة» حيال تجاهل مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا المعنية بالتفاوض مع إيران لحل مشكلة مشروعها النووي) للجانب الخليجي في تطوير السياسات المتخذة حيال طهران، بات في حيز العلن.عشية القمة الخليجية، المقرر أن تبدأ غداً في مسقط، يهيمن الهاجس الإيراني بامتياز، رغم حرص القادة الخليجيين الواضح على عدم إبراز أهميته ومركزيته الطاغية في الحلقة التاسعة والعشرين من اجتماعاتهم الدورية المبرمجة، الذين دأبوا على عقدها بانتظام قبل انصرام كل عام، منذ قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
فقد حرص القادة الخليجيون على التحدث عن مشروعات مهمة وقرارت مؤثرة ونقاشات عميقة سيجري حسمها على صعد عدة؛ تبدأ من الاستراتيجي عند تدعيم خطط الدفاع المشترك، عبر قوة «درع الجزيرة»، وتمر بالسياسي حيث الملفات العراقية والفلسطينية واللبنانية، وتعرج على المالي والاقتصادي من خلال دراسة الخيارات المتاحة في مواجهة الأزمة المالية العالمية، وتتوج باعتماد اتفاقية «الاتحاد النقدي» و»مجلس النقد»، تمهيداً لإنشاء البنك المركزي الخليجي وإطلاق العملة الموحدة، في موعدها بحلول عام 2010، كأفضل ما يصادف الآمال على صعيد تعزيز التعاون البيني وبلورته تكاملاً ووحدة.لكن القلق، الذي رشح مبطناً وضمنياً، جراء ما اُعتبر «تهميشاً للدور الخليجي في مقاربة الأزمة النووية الإيرانية» لمصلحة سياسات ومقترحات دولية، تتبناها الولايات المتحدة الأميركية بالأساس، وتعتقد دول «التعاون» أنها تتجاوزها وتضر بمصالحها الاستراتيجية، يؤكد أن الملف الإيراني فيما يختص بالشأن النووي سيكون محوراً أساسياً ونقطة مفصلية يجب التوافق حولها وبناء سياسة واضحة تجاهها خلال تلك القمة.ويبدو أن ما يمكن اعتباره «شعوراً خليجياً بالمرارة» حيال تجاهل مجموعة 5+1 (الدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا المعنية بالتفاوض مع إيران لحل مشكلة مشروعها النووي) للجانب الخليجي في تطوير السياسات المتخذة حيال طهران، بات في حيز العلن. فقد حض الأمين العام لدول مجلس التعاون عبد الرحمن العطية، في تصريحات صحافية نشرت الأسبوع الماضي، الولايات المتحدة على «الإقلاع عن سياسة الإملاءات والانفراد بسياسات لا تخدم مصالح دولنا، بل تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة».عتاب خليجي واضح استبق الاجتماع الدوري الأهم لدول المجلس، التي تقع في مرمى أي تفاعل إيراني- دولي، متحملة أقسى العواقب والتكاليف جيوستراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً وبيئياً، مهما كانت صيغة تفكيك تلك الأزمة أو حسمها. لم يقتصر هذا العتاب على الحض الحاد النبرة من الأمين العام لـ «التعاون»، لكنه ظهر كذلك في التصريحات الواضحة التي أدلى بها وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة غداة الاجتماع المهم الذي عقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك منتصف الشهر الجاري. فقد أكد الوزير البحريني عقب الاجتماع، الذي ضم ممثلين عن دول «5+1» ودول «التعاون» إضافة إلى مصر والعراق والأردن، أن دول المجلس «ستكون مشاركة من الآن فصاعداً في كل الاجتماعات التي تخص موضوع الملف النووي الإيراني، وأن هذا بمنزلة نواة ميكانيزم للمستقبل».من الضروري أن يُنظر إلى التصريح البحريني على أنه «بيان بالموقف الخليجي»، وانتقاد واضح لتجاهل دول الخليج العربية في «المشروعات التي يتم تطويرها لمقاربة الأزمة الإيرانية من قبل التجمع الدولي»، خصوصا أن الخليفة أردف هذا «البيان» بتأكيد دول «التعاون» رفضها «أي تنازلات من مجموعة (5+1) لإيران في شكل دور إقليمي متميز في الخليج» في إطار محاولات إغرائها للتوقف عن المضي قدماً في عملية التخصيب المشكوك في مراميها.الموقف ذاته بدا معززاً بما أعلنه رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، في مقابلته التي نشرت بصحيفة «الحياة» اللندنية الثلاثاء الفائت، إذ رهن الحديث عن قيام منظومة أمن خليجية تشارك فيها إيران بحصول «توافق في الرؤى حول أمن الخليج واستقراره»، معتبراً، في الوقت ذاته، أن «دول المجلس تمكنت من وضع رؤية واضحة حيال أمن الخليج، ولابد أن نرى تحركاً مماثلاً من قبل الدول الأخرى».تشير التقارير الصادرة عن الاستخبارات الأميركية وبعض الجهات البحثية والوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن أزمة طهران النووية، إلى أن «إيران قد تصل إلى نقطة إنتاج كمية من اليوارنيوم المخصب يمكن أن تسهم في إنتاج سلاح نووي» في موعد يمتد من أواخر عام 2009 وحتى عام 2015.ورغم أنه لا يمكن استبعاد احتمالات فساد استدلال مثل تلك التقارير بالنظر إلى ما ظهر من زيف الادعاءات بخصوص أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، فإن الملف الإيراني يبدو مختلفاً في هذا الصدد، بحيث لا يمكن استبعاد صحة مثل تلك التقديرات على الإطلاق، وإن أمكن دائماً الاختلاف في شأن صحة تكهناتها بخصوص الموعد المتوقع للوصول إلى تلك النقطة التي تسمى «الحافة النووية». فإذا أُخذ بالاعتبار أن إدارة أوباما، التي ستبدأ الحكم مع مطلع العام المقبل، تميل إلى «فتح قنوات دبلوماسية مباشرة مع طهران، لإقناعها بتغيير سلوكها في المجال النووي، عبر تقديم حوافز اقتصادية ومزايا إقليمية»، مقللة من ميول الحسم العسكري، الذي سيكون «كارثياً على صعد عدة»، بحسب تصريحات وزير الدفاع الباقي في منصبه عبر الإداراتين المنصرفة والعتيدة روبرت غيتس، لأمكن فهم القلق الخليجي من الهاجس الإيراني.توافر لدى دول «التعاون» ما يفيد أن ثمة صفقة يُعَّد لها تقوم على تقديم «حوافز اقتصادية وإتاحة سبل هيمنة إقليمية» للجانب الإيراني في مقابل وقف التخصيب أو لجمه عند حدود الاستخدام السلمي عبر المراقبة الفعالة، وهو أمر يخصم مباشرة من مصالح دول المجلس، ويلحق بها أضراراً قد تفوق قدرتها على احتمالها. ولذلك صدر العتاب وتحول نقداً مبطناً وحضاً واضحاً على عدم التهميش والانفراد بالقرار في هذا الشأن المصيري الخطير، وهو الأمر الذي سيكون عنواناً رئيساً في قمة مسقط يستأثر بجل البحث والنقاش، رغم إبقائه طي السرية بعيداً عن فضول الجمهور وعدسات الإعلاميين وتأويلاتهم.* كاتب مصري