عدت إلى البيت مرهقا وليس في نيتي عمل أي شيء. قلت أشاهد التلفزيون. لن أشاهد الخطيب المفوه أوباما ولا غمازات سارا بولين. على المحطة العربية بدأ مسلسل اسمه قمر والمفاجأة أنه للكاتبة فيفي عبده. ابتسمت وضحكت وبكيت وأغمضت عيني ونمت قبل أي مفاجآت أخرى.
لماذا تريد فيفي عبده أن تكون كاتبة؟ ان كان ذلك اخلاصا للكتابة فمعلوماتي التي نقلها لي الأخوة المصريون أنها لا تجيد القراءة والكتابة وربما تعلمتها أخيرا. وإن كان طلبا للشهرة ففيفي عبده أشهر من الطاهر بن جلون والطاهر وطار والطاهر يحيى عبدالله وأشهر من كثير من الكتاب الطاهرين والفاسدين. ويستطيع أي صحافي أن يبرهن على ذلك بسؤال طلبة أي قسم للغة العربية وآدابها في أي جامعة عربية بلا استثناء: من هم هؤلاء ومن هي فيفي عبده! لماذا تريد راقصة حققت بخصرها ما لم يحققه أشهر كتاب السيناريو أن يطلق عليها الكاتبة فيفي بدلا من الراقصة فيفي؟ لو قررت فيفي عبده أن تتخلى عن مهنتها الأصلية وما حققته لها من شهرة وثراء وامتهان الكتابة لعاشت بؤسا يجعلها تندم على ما تبقى من عمرها على فعلتها تلك. فحياة الكتاب الذين أجادوا القراءة والكتابة والتي بالتأكيد لا تعرف عنها فيفي عبده شيئا، هي حياة أشبه بالبؤس الأبدي. فشاعر مبتدئ يتبرع بكليته ليطبع ديوانه وشاعر كبير يحجز على أثاث منزله لتسديد حكم محكمة ضده. الروائي الكندي مايكل كرايتون، وهو روائي مبدع، يعمل عازف جيتار في حانة لا يؤمها أكثر من خمسة أشخاص ليعيش. سليم بركات يقول خمسمائة دولار لم أكن أملكها كان لها أن تحول دون النفي مرتين. خمسمائة دولار تستطيع السيدة فيفي عبده أن تحصل عليها بثلاث دورات حول نفسها. أمل دنقل صارع السرطان في مصح عمومي لأنه لم يمتلك ثمن الدواء. والقائمة طويلة ومؤلمة. هل للكتابة مجد خفي تريد فيفي عبده أن تحققه؟ مجد لا يعرفه الذين يجيدون القراءة والكتابة. لو كان ذلك صحيحا لما تنازل الكثير من الشعراء والروائيين أيضا عن أعمالهم ونسبوها لغيرهم مقابل المال، لو كان ذلك المجد موجودا لما رهن كثير من الكتاب أقلامهم لمدح كل من يدفع لهم حتى وان كان لا يستحق. وصفقوا للطغاة حتى انزعج منهم الطغاة. أخشى أن تكون رسالة فيفي عبده هنا أكبر مما أتصور. ربما رأت أن الكتابة والرقص صنوان كالملك والنقش على العملة. وأن الكتاب يجيدون الرقص أكثر منها وينافسونها في أكل عيشها الدسم فقررت منافستهم على خبزهم الحافي أو بشراء أحدهم على اعتبار ان اذلال الجزء هو اذلال الكل. ربما. لكن حكاية الكاتبة فيفي عبده ذكرتني بحادثة حصلت معي في زمن بعيد. يومها كنت أعمل في إحدى المجلات ودخل المكتب علي شاب مهذب. بعد التحيات وخلافه طلب مني أن أكتب له مقالة فقلت حاضر وجهزت القلم والورق. توقعت أن الشاب يريد نشر شكوى أو ما شابه. ولكنه قال دون أن تبدو عليه أي وقاحة أريدك أن تمدح الأمير الخليجي فلان وأن تذيل المقال باسمي. ولماذا سألته. قال أنا لا أجيد القراءة والكتابة. سألته مرة أخرى لماذا تريد أن تمدح الأمير؟ قال الأمير يعطي كل من يمدحه مبلغا من المال وأنا لن أنساك. اعتذرت من الشاب بأدب لأنه سألني بكل أدب. لم يكن الشاب الجاهل يعرف ماذا يعني ذلك ولم ألمه على شيء. ودعته حتى الباب وانصرف بالهدوء الذي دخل به. لنفترض الآن أنني وافقت الشاب وكتبت له ما يريد وحصلنا على ما نريد. أينا هو الكاتب وأينا الراقصة فيفي عبده؟
توابل - مزاج
الكاتبة فيفي عبده
09-11-2008