إن أطرف ما سمعته من تعليقات حول الأحداث الأخيرة المتسارعة في لبنان كان كلام كل من النائب مصطفى علوش من طرابلس، والذي قال فيه: «إن ما جرى في بيروت ما هو إلا اجتياح نفذته فرقة من الحرس الثوري الإيراني لمصلحة حكومة ولاية الفقيه...»!

Ad

ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي قال: «إن الهدف من هذا الاحتلال هو إعادة سورية إلى لبنان وإيصال إيران إلى المتوسط...»!

من جهة أخرى فإن أكثر ما أثار حزني هو أن أسمع أن ما جرى ما هو إلا احتلال لبيروت السنّية من جانب مقاتلي الشيعة...»، وهو ما جاء على لسان العديدين ووكالات الأنباء والصحافة الإقليمية والدولية!

والأنكى من كل ذلك أن ينبري رجل مثل سمير جعجع متهم من قبل أهل بيروت السنيّة هذه بالذات -كما يقولون- بأنه هو من حاصرهم وقطع عنهم الماء والخبز في عدوان 1982، وذلك بالتعاون والتواطؤ الكامل مع إسرائيل وهو من ارتكب أبشع المجازر التاريخية بحق السنّة بالتحديد في ذلك الاجتياح الشهير، وأبرزها مجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة، إضافة إلى المجازر الشهيرة الأخرى ضد المسيحيين، وأيضا اغتيال الشهيد رشيد كرامي السني رئيس الوزراء اللبناني المعروف!

أعتذر للقراء عن هذه اللغة التي استخدمتها، التي اضطررت لاستخدامها أيضا في إكمال مقالتي هذه بالرغم من أنني لا أستسيغها في التحليل، ولكن ما العمل عندما نصبح في حالة من الدرك الأسفل من الخطاب في ظل أجواء الفتن المذهبية والطائفية والعرقية المتنقلة التي فرضها علينا الأميركي منذ أن قرر أن إدامة بقاء إمبراطوريته لم يعد ممكنا إلا بتمزيق وطننا العربي والإسلامي أكثر فأكثر خدمة لتسيّد إسرائيل!

والآن أقول:

من قال أولا إن بيروت سنية في الوقت الذي يعرف فيه القاصي والداني أن بيروت الحالية على الأقل، حتى ما يسمى ببيروت الغربية وبعد التحولات الديموغرافية التي جرت فيها، ولسبب رئيسي عنوانه التهجير والعدوان والاجتياحات الصهيونية و«الميليشياوية» المتتالية المتعاونة معه منذ 1978 حتى الآن أصبحت أكثرية بيروت الغربية غير سنية؟!

وهناك من قال ثانيا إن السنّة على العموم وسنّة بيروت على الأخص هم في أغلبيتهم تابعون لما يسمى بفريق السلطة أو الموالاة، حتى قزموا دور السنّة العظيم المتصل ببحر العرب والمسلمين ليحولوه إلى مجرد مربع أمني تابع لهذا الزعيم أو ذاك أو «زاروب» من «زواريب» بيروت؟!

وثالثا، وهو الأهم من قال إن التحول الميداني العنيف الذي حصل على الأرض خلال الأيام القليلة الماضية إنما تم على يد الشيعة ومقاتلي «حزب الله» تحديدا؟!

ورابعا من قال إن غير سنّة بيروت الغربية كانوا هم الذين من ألحوا وطالبوا المعارضة وعلى رأسها شباب «حزب الله» بالإقدام على حسم وضع بيروت الغربية لمصلحة خيار المقاومة والعروبة وقتال إسرائيل ومحاربة النفوذ الأميركي وتحرير بيروت العاصمة من الميليشيات وتطهيرها من أقلية منقادة إلى الغرب كما يعتقدون، وخاطفة لقرار أهالي وسكان العاصمة بكل أطيافها وطوائفها لاسيما طائفة السنّة والجماعة الكريمة!

وخامسا وهو الأكثر أهمية من كل هذا هو أن القاتل لرموز السنّة ومغتصب كرامتها وزعيم ميليشيا الحرب الأهلية الأخطر وصاحب «المآثر» التي لا تنسى في شق أجساد الفلسطينيين السنة من سكان تل الزعتر المدنيين عندما كان يربط كل ساق من ساقي المعتقل والأسير بطرف دبابة من دباباته الإسرائيلية، ومن ثم يأمر بتحركها باتجاهين متعاكسين، كيف وصل به الأمر من الوقاحة والبجاحة للادعاء على أشرف الناس وأنبلهم وأتقاهم عند الله، ألا وهم المجاهدون والأحرار بأنهم هم من يُلجئون أهل السنّة والجماعة والعياذ بالله، وهم الذين نذروا أنفسهم من أجل الدفاع عنهم باعتبارهم بحر الأمة، بل محيطها الذي نسبح فيه ونتشرف ونتطهر بمائه من عصبيات وغرائز ونتانة العنصريات الجاهلية، التي تريد أميركا إحياءها اليوم من خلال إبعاد الأنظار عن القضية المركزية، ألا وهي فلسطين الحرة من البحر إلى النهر!

إن أقل ما يمكن قوله حول ادعاءات وتخرصات هؤلاء هو أن نقول كما قال خاتم النبيين: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعقلون...». «وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما»!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني