إهداء إلى شابات وشبّان الكويت الذين يعملون على إعادة الكويت إلى دورها الريادي في المنطقة.

Ad

إلى أولئك الذين يسعون إلى بناء مجتمع ينعم فيه المواطن بالحرية والمساواة تحت سقف قانون واحد يسري على الجميع، ويكون هدفه إطلاق إبداعات أبنائه وليس تقييدها باسم المحافظة على عادات وتقاليد هي جاهلية في طبيعتها ولا تمتّ بصلة إلى الدين ولا إلى ما جبلت عليه الكويت منذ نشأتها من تعلّق بالمشاركة في السلطة، ثم الالتزام بدستور 62 الذي قنن هذه الطبيعة الكويتية.

إلى الشابات والشبّان الذين يحلمون بمستقبل مشرق للكويت يعيد دورها الرائد في محيطها، كي تنضم إلى عالم العلم والمعرفة الذي أخذ ينطلق بسرعة هائلة  لا مكان فيه للمتخلّفين.

إلى هؤلاء جميعاً أهدي هذا الكتاب.

مؤتمر جدة

تغيّر الوضع بعد التصريح الشهير للرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران بإعطاء الكويتيين الحق في تقرير طبيعة الحكم الذي يريدونه بعد التحرير حين أثارت بعض الأطراف الدولية اعتراضها على دعم حكم عشائري أطاح بالتجربة الديمقراطية في الكويت. هذا التصريح نزل مثل الصاعقة عند الشيخ سعد العبدالله. فكان لا بد من الرد على هذا التشكيك في حكم الصباح. فقرر أن يدعو إلى اجتماع شعبي ليؤكد تمسّك الكويتيين بحكم الصباح.

وحتى يضمن نتيجة هذا المؤتمر قرر عقده في السعودية للتحكم في قراراته بعيداً عن المراقبة الدولية، لأن المسؤولين هناك معروف عنهم امتعاضهم من الإعلام العالمي وسياستهم في منع الإعلاميين من دخول المملكة.

وكذلك أيضاً حرص على حشد أكبر عدد من الأتباع الذين همهم مصالحهم الخاصة التي تخشى الرقابة الموجودة في أي مجتمع ديمقراطي. كذلك فقد راهن على أن أغلبية المعارضة لن تحضر هذا الاجتماع. عندما علمنا بالنية لعقد المؤتمر بجدة اتصل عبدالعزيز الصقر بسعد العبدالله وقال له إنه يستحسن أن يعقد في القاهرة، لأن ذلك يتيح الفرصة لإبراز الموقف الكويتي بشكل أوسع للإمكانات الإعلامية المحلية والدولية المتوافرة في القاهرة، وعندما خانته الحجة قال الشيخ سعد العبدالله إن ذلك «يزعّل» السعودية وأصر على موقفه.

كان الرأي السائد عند الكويتيين في أوروبا أنه لا بد من الحضور لإبراز وجه الكويت الديمقراطي. كما أن عدم الحضور قد يساء فهمه من قبل الصامدين في الكويت ويؤثر في معنوياتهم.

أما أنا فكانت عندي مشكلتان: الأولى أنني محكوم بالإعدام في السعودية من دون معرفة السبب. وذهابي إلى السعودية فيه مخاطر غير بسيطة. فما الحل؟

أخبرت عبدالعزيز الصقر بهذه القصة وقلت له: «أنا لا بد أن أحضر هذا المؤتمر لألعب الدور المطلوب مني، كذلك فإن غيابي سوف يساء فهمه من قبل الكويتيين وليس فيهم من يعرف هذه القصة». فقال: «إن مصيري مرتبط بمصيرك. وسوف أكون معك في كل شيء».

المشكلة الثانية التي أقلقتني هي احتمال أن يكون الاجتماع في مكان مغلق لا يعرف أحد عنه. ويكون القرار الوحيد المطلوب هو المبايعة لا أكثر ولا أقل. وازداد تخوفي من حدوث ذلك عندما علمت من الجهاز الإعلامي الكويتي في جدة أنهم فشلوا بإقناع الإعلام الدولي بالحضور بالرغم من المغريات التي قدمت إليه. هنا أخبرت الجماعة في لندن أنه لابد من وجود الإعلام الدولي، لأن في ذلك دعاية للكويت وضمانة لنا لإبداء وجهة نظرنا إذا زوّرت حقائق المؤتمر. وقلت لهم: «اتركوا الأمر لي وحدي فأنا متعوّد على المشاكل والمتاعب»، ولم أخبرهم بالتفاصيل.

ذهبت إلى مكان إقامتي واتصلت بصديق عزيز وقلت له: «أنت تعرف جماعة وكالة رويترز، وأريدك أن تجعلهم يبعثون لي شخصاً لأعطيه تصريحاً مهما»ً. وبعد نحو الساعة كان هذا الشخص عندي في الشقة. فقلت له: «إني سوف أذهب إلى مؤتمر جدة لأن الشيخ سعد العبدالله يريد مؤتمراً للمبايعة من دون الالتزام بدستور 1962. وسوف نُفشل هذه المؤامرة ونفجر المؤتمر». غادرني بسرعة وبعد أربع ساعات فقط بدأت تنهال عليّ الاتصالات من جميع أنحاء العالم من التلفزيون الياباني إلى الأرجنتيني طلباً لمقابلتي. حتى برنامج «ستون دقيقة» الأميركي الشهير قرر إرسال فريقه ليقابلني في لندن. وكان جوابي واحدا هو أنني في طريقي إلى جدة وسيكون اللقاء هناك. لم أكتف بذلك بل اتصلت بإذاعة موناكو العربية وكانت قد طلبت مني مقابلة منذ مدة ولم أستجب لطلبها. وقلت: «أنا مستعد للمقابلة». وعندما انتهت المقابلة قلت لهم: «لم تسألوني إذا كنت سوف أحضر مؤتمر جدة؟» فقالوا: «هل ستحضر؟» قلت: «نعم، لمنع المؤامرة المعدّة لنا هناك بتجاهل دستور 62».

الإعلام العالمي بطبيعته يعيش على المشاكل والأشياء المثيرة. حتى أن هناك مثلاً يقول «No news is good news» فاجتماع عادي وقراراته معروفة لا يستهوي الإعلام الذي يحترم نفسه.

وهكذا تدفق الإعلاميون من كل صوب على جدة وشكرني الشباب في الإعلام الكويتي بجدة على هذه المساعدة المجانية!

قرارنا بالمشاركة أزعج الشيخ سعد العبدالله. فأمر الأتباع بمضاعفة عدد المدعوين لحصارنا. كما أن هذا التحول في مجرى الأحداث لا شك أحرجه أمام ضيوفه الذين لم يتوقعوا مؤتمراً من هذا النوع.

أخذتنا طائرة كويتية خاصة من لندن إلى جنيف لأخذ المدعوين الموجودين في أوروبا واتجهنا إلى جدة حيث وصلنا مساءً.

لم يكن أحد من المسؤولين في الدولة المضيفة في استقبالنا. كان هناك فريق كويتي من الشباب ينتظرنا في الخارج. أخذنا الموظفون السعوديون إلى قسم الجوازات، ووقفنا بالصفّ في ثلاثة طوابير. وكان عبدالعزيز الصقر يجلس في كرسيه الخاص وأنا وراءه مسؤول عن الكرسي الذي يجلس عليه.

كان موظفو الجوازات يدققون في كل جواز بشكل بطيء وممل. عيون الكويتيين عليّ أنا ينتظرون ما سيحل بي. أوصلت عبدالعزيز الصقر إلى الموظف فأخذ جوازه يتصفحه ببطء شديد ومزعج. وبعد مدة ختمه وأعطاه إياه. أعطيته جوازي فختمه حالاً من دون فحصه، مما أدهشني وجميع الحاضرين. كانت معاملة خاصة ومفاجئة لي.

ثم ذهبنا إلى موظف الجمارك الذي فتح حقيبة عبدالعزيز الصقر وأخرج منها حتى ملابسه الداخلية من دون احترام لمكانته وسنّه. وبعد أن انتهى منه بعد تفتيش دقيق وطويل أعطيته حقيبتي فقال لي: «تفضل» من دون أن يفتحها مما أذهلني وأذهل جميع الركاب.

لم نفهم هذه المعاملة الخاصة حتى وصلنا إلى مقر الاجتماع وعرفنا ماذا حصل للطائرة التي وصلت قبلنا من القاهرة. كان فيها أحمد النفيسي الذي احتجز لأنه رئيس تحرير «الطليعة»، صحيفتنا الرسمية، وعندئذ رفض الكويتيون الذين كانوا معه مغادرة المطار إلا بصحبته، مما أحدث إشكالاً لم يتعوّد عليه السعوديون. وبعد مدة وصل الخبر إلى الشيخ سعد العبدالله الذي تدخّل عند المسؤولين لإنهاء هذه المشكلة. وعندما تم إطلاق سراحه قال للمسؤولين هناك إن د. أحمد الخطيب سيكون في الطائرة القادمة من لندن وحذرهم من التعرض له وقد أحضر حشداً إعلامياً عالمياً هم في انتظاره.

الوصول إلى جدة

لقد غصّ الفندق بالكويتيين. ومرّ بعض الوقت قبل أن تتوافر الغرف لهم، إلا أنا فقد بقيت وحيداً في بهو الفندق. ولما سألت: «ما السبب؟» قيل لي إن العامل الذي يحمل مفتاح الحجرة غير موجود. فسألت: «أين المفتاح الاحتياطي والمفتاح الخاص الذي يفتح كل الغرف والموجود عادة مع العمال الذي ينظفون الغرف؟». فقيل لي إن ذلك غير موجود. لقد اتضح لي أنهم يعرفون طباعي. فأنا لا أتحمل إهانة ولا استهانة، وراهنوا على أن ذلك سيحملني على مغادرة الفندق والذهاب إلى المطار. وهذا فعلاً ما كنت أفعله في الأوقات العادية. ولكني خاطبت نفسي قائلاً: «يا أحمد إنهم يريدونك أن «تنرفز» وتغادر حتى لا تحضر المؤتمر. فوتّ عليهم الفرصة». وامتثلت لهذا النداء. وبقيت في بهو الفندق وحيداً مع حقيبتي حتى الساعة الثانية صباحاً عندما أقبل العامل الأجنبي ليقول لي: «تفضّل إلى حجرتك».

في لندن اتفقنا أن يلقي عبدالعزيز الصقر كلمة الكويتيين لأنه رئيس أول مجلس أمة بدل الشخص الذي تم تعيينه ليعلن المبايعة فقط. كذلك كان هناك اتفاق على أن تتضمن كلمة كل من الأمير وولي العهد تعهداً بالعودة إلى دستور 62 بعد التحرير. وكذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية تكون هي المسؤولة عن إدارة هذه الأزمة.

لم تكن هناك مشكلة في تكليف عبدالعزيز الصقر بإلقاء الكلمة لأنه حتى ملا يوسف الحجي الذي تم تعيينه رحّب بذلك لطبيعته الطيبة، غير أن سعد العبدالله أصر على أن يطلع على كلمة عبدالعزيز الصقر قبل إلقائها. وعندئذ طلب إلى عبدالعزيز الصقر أن يطلع عبدالله العلي المطوع عليها لتعديلها، وتم ذلك بعد تداولنا، وطلب عبدالعزيز الصقر إلى أخيه جاسم أن ينوب عنه، ورفضت أنا المشاركة في هذا الاجتماع الذي استغرق معظم الليلة في محاولة من عبدالله العلي لتغيير ما جاء فيها، لكنه لم يفلح إلا ببعض التعديلات الشكلية. (يرجى مراجعة نص كلمة عبدالعزيز الصقر في الملاحق).

الشيخ سعد العبدالله رفض المطلب الثاني وهو النص على التعهد بالعمل بدستور 62 بعد التحرير. وظل على موقفه الرافض حتى قبل انعقاد الجلسة بثلاث ساعات إذْ تأكد أننا سوف ننسحب ونعقد مؤتمراً صحافياً نضع فيه النقاط على الحروف.

أما المطلب الثالث فقد قال إن إقالة الحكومة وتأليف غيرها ربما يسبب لنا بعض المشاكل وبدلا من ذلك نشكل لجنة موسعة من الكويتيين برئاسته تشرف على أعمال الحكومة. وهذا ما تمّ رغم معارضتي لذلك لأنها كانت خدعة، وحكومة الوحدة الوطنية تحتل أهمية قصوى في مثل هذه الظروف كما هو معروف عالمياً. وفعلاً فقد شَلّ عمل اللجنة عندما شَكّل منها وفوداً تجول العالم كله، ثم أوقف عملها تماماً في ما بعد عندما بدأ القصف الجوي، وطلب إلى الوفود العودة إلى محال إقاماتهم استعداداً للعودة! وظل هو وحده المسؤول الأول والأخير لتنفيذ مخططه الذي تحدثت عنه.

أما عن ترتيب المؤتمر، فقد توجّهنا صباحاً إلى قاعة الاجتماع لنجد أن معظم المقاعد الأمامية محجوزة للأتباع، وكنت مع عبدالله يوسف الغانم، ولم نجد لنا مكاناً إلا عند الباب. ألقيت الكلمات، وعندما تم التأكيد على الإيمان بالديمقراطية ودستور 62 ضجت القاعة بالتصفيق وقوفاً. ورفع الأمير رأسه مستغرباً هذا التجاوب المذهل لأنه كما يبدو كان مقتنعاً بما قاله سعد العبدالله له بعد أن أنهى مشاوراته المزيفة، بعد ملحمة دواوين الاثنين، بأن الشعب الكويتي لا يريد الديمقراطية ولا يريد دستور 62.

بعد إلقاء الكلمات الثلاث خرجت من القاعة ولم أستطع أن أتحمّل كلمات النفاق من بعض المرتزقة الذين أعلنوا أن الألوف من الأتباع المسلحين مستعدون لتحرير الكويت! أين كان هؤلاء عندما دخل جيش صدام إلى الكويت؟، بعد خروجي من القاعة خرج معي معظم رجال الإعلام وطلبوا أن أدعوهم إلى مؤتمر صحافي، ورتّب شباب الإعلام الكويتيون هذا المؤتمر وكان ناجحاً، فقد بُثّ مباشرة من المحطات التلفزيونية العالمية. وقد سألني إعلامي ألماني: «هل تثق بعزم الصباح على العمل بدستور 62 بعد تحرير الكويت؟»، فقلت: «لا! ولكني أعتقد أن الشعب الكويتي سوف يحقق هذا المطلب لسببين اثنين: أولا - صمود الشعب الكويتي في وجه الاحتلال الصدامي أعطاهم القدرة على مقاومة كل من يحاول المساس بدستور 62. ثانيا - لقد أصبحنا جزءاً من الحركة الديمقراطية في العالم وكسبنا أصدقاء كثيرين وأنتم منهم، وأنا متـأكد أنكم سوف تقفون معنا في معركتنا من أجل الديمقراطية».

أحمد السعدون غادر المؤتمر بسرعة حاملاً وثائق المؤتمر -أي الكلمات الثلاث- ذاهباً إلى رئيس المجلس الأوروبي الذي استقبله كرئيس مجلس الأمة الكويتي وكان في انتظار هذا التعهد باحترام الدستور ليصدر قراره بالنسبة للكويت.

وكان أحمد السعدون قد التقاه مع وفد فرنسي في قطر قبل مدة، وعلم منه أنه كان معجباً ومطلعاً بشكل وافٍ على الحركة الديمقراطية في الكويت للتغطية المكثفة لها في الصحف الفرنسية.

وأنا أيضاً قررت الرجوع إلى لندن من دون تأخير، وحمدت الله أني وجدت الدكتور هلال الساير معي منعاً لاحتمال حدوث أي شيء لي بالطريق. ولله الحمد لم يحدث أي شيء سوى أن أحد الضباط رأى الإشارة على صدري التي فيها «المؤتمر الشعبي» فقال: «هذا ممنوع» وصادَرَها.

لقد كان واضحاً لنا أن من قام بتنظيم المؤتمر هم الإخوان المسلمون. لقد اعتمد عليهم سعد العبدالله بشكل كامل. أما اللجنة المعلنة فلم تكن لها فعالية ظاهرة لنا. بل كانت للتغطية ليس إلا!

بعد المؤتمر تم تعيين اللجنة التي اقتُرحت لإدارة كل شيء واجتمعت اللجنة مرة واحدة على أن تُستدعى للاجتماع مرة أخرى. ولكن بدلاً من وضع جدول أعمال للجنة وبرنامج محدّد شُكِّلت وفود لزيارة بلدان العالم لتسويق موضوع الكويت. وحرص الشيخ سعد العبدالله الصباح على أن يكون كل عضو من أعضاء اللجنة العشرين مشتركاً في الوفود المسافرة لزيارة هذه الدول. وحدث شيء عجيب في تشكيل تلك الوفود. فمثلاً الوفد المتوجّه إلى موسكو ترأسه الملا يوسف الحجي. وكان غريباً إرسال رجل متديّن مثل الملا يوسف إلى بلد شيوعي مثل الاتحاد السوفييتي. وصار نصيبي أن أكون في وفد متّجه إلى إفريقيا بدل أن يكون للدول العربية، مما جعل سامي المنيس يهدد الشيخ سعد العبدالله بأنه سوف يخبرني عن هذا التصرف، فعدل سعد العبدالله عن ذلك. ونتيجة لانشغال أعضاء اللجنة بهذه الزيارات لم تتح لهم الفرصة لأداء المهمة التي شكلت اللجنة من أجلها.

وفي تلك الفترة أعدّت مجموعة الكويت في الولايات المتحدة بالاتفاق مع السفارة في واشنطن برنامجاً للعلاقات العامة مع كبريات الشركات المتخصصة هناك، وكان من ضمن البرنامج تغطية زيارات سعد العبدالله إلى بعض الدول الأوروبية. ويحكي مندوب هذه الشركة أنه في كل مرة ينظمون مؤتمراً صحافياً في البلد الذي يزوره ويجلبون جميع وكالات الإعلام كان الشيخ سعد العبدالله يعتذر عن عدم اللقاء في آخر لحظة، مسبباً الحرج لشركة العلاقات العامة ونتائج عكسية على قضية الكويت لإهانة الإعلام العالمي. وقد تكرر هذا التصرف في أكثر من بلد.

معظم الأخبار التي تصلني من الكويت كانت عن طريق الشهيدة أسرار القبندي، التي كانت تستعمل جهاز الإرسال اللاسلكي الموجود في بيت عبدالله الغانم للاتصال به في لندن لإبلاغه مجريات الأمور في الكويت كلما أمكنها ذلك حتى اعتُقلت وقُتلت، رحمها الله.

بعد مؤتمر جدة اتضح أن الحكومة لم تكن على قناعة بنتائج المؤتمر وتوصياته، فالمؤتمر، رغم أنه أوضح للعالم التحام الشعب مع حكومته والأسرة الحاكمة بموجب الدستور، فإنه ألزمها بالتأكيد على التقيد بالدستور والالتزام به واحترامه وهو ما لم يكن مخططاً له حين تمّت الدعوة إلى المؤتمر، وتبين ذلك بعد انقضاء المؤتمر مباشرة من تصريحات رئيس الوزراء وعدد من أفراد الأسرة الحاكمة. وبعد أن كان الحديث عن المشاركة وإبعاد جميع المسؤولين المفسدين، صار الحديث عن إبعاد أي مسألة غير التحرير. وحين بدأت علامات التحرير صار الحديث عن الإعمار وزاد الهجوم على أركان الحركة الوطنية ورموزها، بل صار الحديث مباشراً عن استعداد السلطة لتأديب القوى الوطنية فور تحرير البلاد.

لذلك رأت مجموعة من الشباب أن مؤتمراً آخر يجمع كل قوى الشعب الكويتي يمكن أن يضع حدّاً لذلك اللعب ويعطي رسالة واضحة لمن يريد التلاعب بالأمن الكويتي ودستور البلاد.

المؤتمر الشعبي

وقد تنادت مجموعة من الشباب إلى ما يمكن عمله لوقف هذه الهجمة المضادة وإعادة الأمور إلى نصابها، واتفق على أن تقوم مجموعة المقيمين في السعودية بتحضير ورقة للمناقشة تم على أثرها عقد اجتماع في دولة البحرين واجتماع آخر في السعودية أقر فيهما اعتماد ورقة وبرنامج العمل للمؤتمر الشعبي بهدف ترسيخ المرتكزات الوطنية والالتزام بدستور البلاد وإنشاء جبهة وطنية. وقد تشكلت المجموعة بداية من الأسماء التالية:

1 - علي البداح

2 - سعد البراك

3 - عبدالله الطويل

4 - جاسم السعدون

5 - عامر التميمي

6 - محمد الفرحان

7 - إسماعيل الشطي

8 - عبدالرحمن المطوع

ونتيجة لهذه الاجتماعات تم تكليف علي البداح برئاسة اللجنة ومحمد الفرحان مقرراً لها وعبدالله الطويل للمشاركة في عملية التنسيق والإعداد للمؤتمر. وكانت هناك عدة مقترحات لمكان المؤتمر، واتفق بعد ذلك على عقده في لندن لتعذّر قبول مثل هذا المؤتمر في بلد عربي لما يمكن أن يشكله من إحراج. ثم بدأت عملية الاتصال بالجماعات والمؤسسات الكويتية والعناصر الوطنية المستقلة الموجودة في كل الدول المضيفة للكويتيين المهجرين ولم تستثن أي جهة، خصوصا أن عضوين من اللجنة التحضيرية كانا من الإخوان والسلف. ولكن مع ظهور رغبة أعداد كبيرة من ممثلي الشعب الكويتي في المشاركة بدأت حملة شرسة لإجهاض المؤتمر، وشاركت عناصر من الإخوان المسلمين في زيارات محمومة للمدعوين لثنيهم عن المشاركة، واجتمع رئيس مجلس الوزراء بالنواب يستنجد بهم لوقف المؤتمر بأي وسيلة.

الجبهة الوطنية

في هذه الأثناء أخذت تتبلور فكرة تشكيل جبهة وطنية دستورية من جميع فئات الشعب الكويتي، بحيث تعلن عن نفسها في نهاية المؤتمر وأعدّت صيغة لأهداف وعمل الجبهة.

أرسلت الدعوات إلى المؤتمر بعد أن تحدد موعده في مارس 1991 للقوى الوطنية الكويتية وتكتل النواب وشخصيات وطنية مستقلة بعد ان أصدرت اللجنة التحضيرية بياناً بمشروعها، كما أرسلت دعوات إلى شخصيات عالمية من كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وأخذت وسائل الإعلام تتناقل برنامج المؤتمر وتتابع خطوات الإعداد له وتلتقي بعض الشخصيات الكويتية لبحث الشأن الكويتي وما يتوقعه الشعب الكويتي بعد التحرير.

كما طُلِبَ إلى رئيس اللجنة إعدادُ ورقة لمبررات وأهداف وأساليب الجبهة المقترحة وإعداد النظام الأساسي للجبهة، واقترح أن يشكل المؤتمر كما يلي:

1 - التجمع الديمقراطي

2 - التجمع الوطني.

3 - الإخوان المسلمون

4 - الإخوان السلف

5 - الجمعية الثقافية

6 - رئيس اتحاد العمال

7 - رئيس اتحاد الطلبة

ويكون لكل تنظيم في المؤتمر خمسة أفراد يمثلونه، على أن يدعى عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة يعادل عدد المدعوين من التكتلات أي 25 للتكتلات و25 للمستقلّين، وقد اتفقت اللجنة على اللائحة الداخلية والبيان السياسي وبدأت الاتصالات للمؤتمر.

كانت نتيجة الاتصالات الأولية ما يلي:

1 - قرار الإخوان المسلمين بعدم المشاركة.

2 - طلب التجار معاملتهم كتكتل ودعوتهم على هذا الأساس.

3 - رئيس مجلس الأمة، اشترط لقبوله المشاركة دعوة كامل تكتل النواب.

وحددت اللجنة بناء عليه يوم 28/2/1991 موعداً للمؤتمر وبدأت أخباره تتسرب إلى الإعلام.

استمرت الدعوات والترتيبات للمؤتمر حتى يوم تحرير الكويت، وعندئذ طلبت بعض الأطراف عقده في الكويت بعد التحرير مما أجهض هذه الفكرة، لكن موقف الشيخ سعد العبدالله في رفض الديمقراطية ودستور 62 عندما التقى الصامدين بعد التحرير مباشرة أحيا المشروع ثانية مما سيأتي تفصيله.

غداً: الصامدون