لم أظن أني سأصل إلى اليوم الذي أرى فيه وزيراً، وعندما أعيته الوسائل للرد على نائب يشاكسه ويحاصره في زاوية، أن يشكك في مصداقيته فيقول له: «أنت ما تصلي»! هذه الغطسة المنحدرة العميقة تفوقت على كل ما سبق وربّ الكعبة، ولابد أن يسجلها تاريخنا السياسي المعاصر، تحت عنوان «شطحة الوزير الغطاس»!

Ad

كنت أظن أني شاهدت العجائب الممكنة كلها في واقعنا السياسي، وأني شاهدت حركات الانحدار والهبوط جميعها وصولاً إلى القاع، حيث شاهدت نواباً يرمون بعضهم بعضا بالأكواب، وشاهدت نواباً يشتمون بعضهم بشتائم الشوارع، من قبيل «يا كلب، ومرادفاتها». وشاهدت نواباً يتّهمون بعضهم بعضاً بالفساد، وشاهدت كذلك نواباً يصيحون على الوزراء ويتهمونهم بالفساد أيضاً، ووزراء يردون عليهم ويتهمونهم بالفساد كذلك، وشاهدت مرة نائباً يأخذه الحماس، فيصرخ في وزير شيخ ويقول له: «اقعد اقعد»! وشاهدت وشاهدت وشاهدت...

وكنت أظن أن هذه «الغطسات المنحدرة» هي أبعد ما يمكن أن تغوص إليه أذهان وأخلاق سياسيينا، ولكنني لم أظن أني سأصل إلى اليوم الذي أرى فيه وزيراً، وعندما أعيته الوسائل للرد على نائب يشاكسه ويحاصره في زاوية، أن يشكك في مصداقيته فيقول له: «أنت ما تصلي»!

هذه الغطسة المنحدرة العميقة تفوقت على كل ما سبق ورب الكعبة، ولابد أن يسجلها تاريخنا السياسي المعاصر، تحت عنوان «شطحة الوزير الغطاس»!

ليس مهماً عندي أن أذكّر بأن الوزير هو أحمد باقر وأن النائب هو مسلم البراك، وليس مهما أن أذكّر كذلك بأن الوزير السابق عبدالله المعتوق ردَّ على باقر بأنه شاهد مسلم يصلي معه مرات عدة، فالموضوع ليس صلاة مسلم، وحسنها وطولها وخشوعه فيها، ولكن الموضوع هو أن يتهم وزير نائباً، أو العكس فلا فرق، بأنه لا يصلي في سياق نقاش سياسي لا علاقة له بمثل هذا الموضوع!

ما يهمني من الحكاية كلها ومن هذا الاتهام الغريب العجيب الخارج عن كل سياق، أنه دليل فاقع على مدى انحدار الأسلوب التفكيري والحواري الذي وصلنا إليه اليوم، هذا إن صح لنا أن نحسب ما قاله باقر على عالم العقلاء أصلاً!

لا أستطيع أن أجد سبباً موضوعياً لاتهام باقر لمسلّم الذي نعرف أنه- مسلم أباً عن جد- لا يصلي، فلا أظنه يريد أن يشرخ صورة مسلّم عند الإسلاميين مثلاً بمثل هذه التهمة، ولا أظنه أراد أن يسقطه من عيون الناس ظناً منه أن هذه التهمة ستشيع وستسير بها الركبان، وسيصعب على مسلّم مداواة جرحها بعد ذلك، وبالطبع أستبعد تماماً أنه كان يصمه بالكفر من باب أن الصلاة عمود الدين ومن تركها فقد كفر!

كل ما أستطيع تصوره أن باقر، وعندما احتدم النقاش، وضاقت به السبل ومن دون وعي وتركيز منه، تماماً مثلما يحصل لشاب مراهق عندما يعميه الغضب، وجه هذه اللطمة المتهورة إلى نائب زميل له في البرلمان، وهذه لعمري مصيبة عريضة لا يوازيها بالعرض إلا خيبتي بسياسيينا!

وزير يفكر بهذه الطريقة، ويرد على أعضاء البرلمان بهذا الأسلوب المضطرب، لا أدري ماذا يمكن لنا أن نرتجي منه بعدها على مستوى التفكير العقلاني، وعلى مستوى الأسلوب اللائق، فضلا عن مستوى الإنجاز الفعلي في وزارته وزارة التجارة والصناعة، ولا عزاء للتجار وأهل الصناعة بعد اليوم، خصوصاً «اللي صلاتهم قليلة»!

لن أعجب أن تصير هذه الشطحة الباقرية، فاتحة لباب جديد من أساليب النقاشات تحت قبة البرلمان وفي الصحف، لنرى سياسيينا، من الآن فصاعداً، يتهمون بعضهم بعضاً بعدم الصلاة، أو عدم الصوم، وربما شرب الخمر والمسكرات، وربما يصل بنا الحال إلى الاتهامات بعلاقات جنسية وربما علاقات مثلية... ولا حول ولا قوة إلا بالله.

صدقاً أقول إني لا أستبعد شيئاً من جماعتنا بعد اليوم!