هل يرقص الفيل مع التنين؟

نشر في 01-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 01-06-2008 | 00:00
 شاشي ثارور لقد بات من المعتاد في هذه الأيام، وخصوصاً في الغرب، أن يتحدث الناس عن الهند والصين بالصيغة نفسها. فهذان هما البلدان الضخمان اللذان سوف يستوليان على العالم، والمتنافسان الجديدان على لقب التفوق الاقتصادي العالمي بعد قرون من الهيمنة الغربية، والرد الشرقي على أجيال من النجاح الاقتصادي الغربي.

أخيراً، صدر كتابان حديثان يعتبران البلدين بوضوح توأمين متماثلين: الأول كتاب من تأليف روبين ميريديث تحت عنوان «الفيل والتنين: نهضة الهند والصين وماذا تعني هذه النهضة بالنسبة لنا جميعاً»، والثاني كتاب من تأليف أستاذ التجارة بجامعة هارفارد تارون خان تحت عنوان «آلاف الملايين من رجال الأعمال: كيف تعيد كل من الهند والصين صياغة مستقبلها ومستقبلكم». وكل من الكتابين يستعرض النهضة الحديثة للهند والصين باعتبارها سبباً في تحول هائل طرأ على السياسة والاقتصاد العالميين. حتى أن بعضهم يتحدثون عن «الصينانديا» وكأن البلدين اتحدا في كيان واحد في المخيلة الدولية.

يمكنكم أن تعتبروني من بين المتشككين في هذا كله. فالأمر ليس أن القواسم المشتركة بين الصين والهند ضئيلة للغاية فحسب- باستثناء احتلال كل منهما لمساحة شاسعة من قارة آسيا- بل لأن كلاً منهما تمر بمرحلة من التطور مختلفة تماماً عن تلك التي تمر بها الأخرى، أيضاً. فقد بدأت الصين تحرير اقتصادها قبل الهند بخمسة عشر عاماً، وتجاوزت معدلات نموها الـ10% بينما كانت الهند ما تزال تحوم حول الـ5%، وبفضل النمو المركب وضعت الصين نفسها في مرتبة اقتصادية مختلفة تماماً عن المرتبة التي بلغتها الهند، واستمرت في النمو اعتماداً على قاعدة أعرض اتساعاً.

فضلاً عن ذلك فإن البلدين يتبنيان نظامين مختلفين تمام الاختلاف. فإذا ما قررت الصين بناء طريق سريع يتألف من ست حارات فإنها تستطيع أن تشقه عنوة واقتداراً عبر أي قرية تعترضه. أما في الهند فإذا أردت أن توسع طريقاً مؤلفاً من حارتين، فقد تظل حائراً في المحاكم لمدة عشرة أعوام لحل مسألة تحديد مبالغ التعويضات.

حين شيدت الصين سدها الثلاثي العظيم، تجمع خلفه مستودع من الماء بلغ طوله 660 كيلومتراً، الأمر الذي ترتب عليه نزوح مليوني إنسان- ولقد تم إنجاز السد بالكامل خلال خمسة عشر عاماً ومن دون إحداث جلبة لا داعي لها. أما حين بدأت الهند في تنفيذ مشروع سد نارمادا، بهدف توفير مياه الري والشرب والطاقة للملايين من الناس، فقد استغرقت 34 عاماً (حتى الآن) في مكافحة جماعات حماية البيئة، والناشطين في مجال حقوق الإنسان، والمدافعين عن النازحين، الذين صعَّدوا قضيتهم حتى المحكمة العليا، بينما مازال المحتجون ينزلون إلى الشوارع حتى يومنا هذا.

هكذا ينبغي أن تكون الحال: فالهند تشتمل على نظام ديمقراطي عنيد، على عكس الصين. ولكن باعتباري مواطناً هندياً فأنا لا أحب أن أتظاهر بأننا قادرون على منافسة الصين في سباق النمو العالمي.

ولكن إن كنا لا نستطيع أن ننافسها، فهل يكون بوسعنا أن نتعاون معها؟ لقد دام الاتصال بين الحضارتين قروناً من الزمان في العصور القديمة. فبفضل تصدير البوذية من الهند إلى الصين، ذهب الصينيون إلى الجامعات الهندية، وزاروا المحاكم الهندية، ودونوا كل ما يستحق الذكر أثناء رحلاتهم. ولقد استقبلت جامعة نالاندا المئات من الطلاب الصينيين في زمن مجدها، أما الهنود الذين ذهبوا إلى الصين للعلم فكانوا قِلة؛ وفي القرن الخامس الميلادي شيد راهب بوذي من الهند معبد لينغين سي الشهير في هونغزاو.

وفي منطقة كيرلا بجنوب غرب الهند نستطيع أن نجد شباك الصيد المصنوعة على الأسلوب الصيني، وفي منطقة مالايالي سنجد أن قِدر الطهي المفضل هناك، يسمى محلياً «تشين تشيتي»، أي الإناء الصيني.

ولكن مر وقت طويل منذ آخر لقاء حميم بين الهند والصين. وفي العصر الحديث، ولت أيام شعار «الهنود والصينيون أخوة»، وهو الشعار المتحمس الذي رفعته الهند في أيام نهرو للترحيب بزيارة تشو إن لاي لها في عام 1955، وأتت من بعدها أيام خزي الحرب الحدودية التي اندلعت بين البلدين في عام 1962، والتي من بعدها دامت الفُرقة بين البلدين لعقود من الزمان.

مازال النـزاع الحدودي بين البلدين بلا حل حتى يومنا هذا، فضلاً عن الغارات الدورية التي تشنها القوات الصينية على الأراضي الهندية، والمضايقات الحديثة مثل مظاهرات الاحتجاج المناهضة للصين والتي تزعمها التبتيون المنفيون الذين منحتهم الهند حق اللجوء السياسي. وقد يكون من قبيل التهوين من خطورة الأمر أن نتحدث عن «عجز متبادل في الثقة» بين البلدين.

رغم كل ذلك ثمة أنباء طيبة. فقد تضاعفت التجارة بين البلدين أثناء السنوات الثلاث الماضية، حتى بلغت حوالي الأربعين مليار دولار هذا العام؛ والآن حلت الصين في محل الولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأضخم للهند. وتشهد السياحة ازدهاراً كبيراً، وخصوصاً من قِبَل الحجاج الهنود الذين يزورون المواقع الهندوسية المقدسة في التيبت، وجبل كايلاش، وبحيرة مانساروفار.

كما افتتحت شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية فروعاً لها في شنغهاي وهونغزاو، وعينت شركة «إنفوسيس» الهندية تسعة صينيين هذا العام للعمل في فرعها في بنغالور. وهناك العشرات من المهندسين الصينيين يعلمون في (ويتعلمون من) شركات الحاسب الآلي الهندية وشركات الهندسة، بينما يعمل مهندسو البرامج الهنود في دعم شركة «هواوي» الصينية لتصنيع معدات الاتصالات.

إن الهند تتمتع بالقوة عموماً في المجالات التي تحتاج الصين إلى تحسينها، وخصوصاً برامج الحاسب الآلي، بينما تبرع الصين في تصنيع الأجهزة، وهو ما تفتقر إليه الهند بشدة. وكذلك تقوم شركة «ماهندرا» و»ماهندرا الهندية» بتصنيع الجرارات الزراعة في منطقة نانشانغ في الصين، لتصديرها إلى الولايات المتحدة. كما اخترعت شركة «بورتال بلاير» في حيدرأباد بالهند الأجزاء العاملة الرئيسية في أجهزة «آي بود» لشركة «آبل»، بينما يتم تصنيع أجهزة «الآي بود» ذاتها في الصين. وتوظف شركة «فيليبس» حوالي ثلاثة آلاف هندي في «مجمع الإبداع» في بنغالور، والذين يعملون في ابتكار ما يزيد على 20% من برامج الحاسب الآلي على مستوى العالم، ثم تقوم قوة العمل الضخمة التابعة لشركة «فيليبس» في الصين، والتي بلغت خمسين ألف عامل، بتوظيف هذه البرامج في منتجات تحمل أسماءً تجارية.

نستطيع أن نقول بعبارة أخرى أن الفيل يرقص مع التنين بالفعل. والسؤال الوحيد المطروح هنا هو هل التوترات السياسية قد تتسبب في إيقاف هذه الموسيقى الجميلة؟ مما لا شك فيه أن التعاون بين البلدين يصب في مصلحة شعبيهما أياً كان حجم الخلافات الهندية المشروعة مع النظام الشيوعي في الصين. ولا ينبغي أن ننسى أن واحداً زائد واحد لا تساوي اثنين دوماً؛ بل إن واحداً إلى جانب واحد قد تساوي أحد عشر.

* روائي ومفكر بارز، والنائب الأسبق لأمين عام الأمم المتحدة. «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top