ما إن يطل شهر محرم، حتى تتداعى معه إلى الأذهان ذكرى عاشوراء الخالدة، التي سطر فيها سبط النبي الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه أروع أمثلة البطولة والشجاعة والتضحية في سبيل المبادئ والقيم السامية التي جاء بها الإسلام، والتي أراد الظالمون القضاء عليها. وإذا كان إحياء ذكرى عاشوراء في كل سنة أمراً مطلوباً شرعاً وعقلاً لما فيه من استحضار لقيم سامية، فإنه مما يؤسف له أن يتم تشويه هذه الذكرى العطرة، إما بدافع التعاطف الزائد من قبل البعض، وإما بدافع التحجر الفكري من قبل البعض الآخر.

Ad

هناك البعض من خطباء المنبر الحسيني من يسيئون إلى الحسين عليه السلام، ومن استشهد معه من أهل بيته وأصحابه من حيث لا يشعرون، من خلال اختلاق أساطير وتخيل حوادث لم تحصل يوم عاشوراء، وأغلب الظن أن هذا الفعل من هؤلاء الخطباء يأتي بدافع الحب والإعجاب ببطولة الحسين ومن استشهد معه، لكن هؤلاء- ومع الأسف- يسيئون إلى الحسين من حيث لا يعلمون عندما ينسبون إليه أموراً لا يقبلها العقل، والحسين في غنى عنها، فما سطره من بطولات وتضحيات يكفي ويزيد، ولا يحتاج معه إلى اختلاق حوادث لم تحصل، فيكفي أن يستشهد الحسين من أجل «إصلاح أمة جده والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، وهو الشعار الذي جعله عليه السلام عنواناً لنهضته الخالدة، أقول يكفي أن يستشهد الحسين وجميع من معه من أهل بيته وأصحابه من الرجال وحتى بعض الأطفال والصبيان من أجل مبادئ سامية لكي يدلل على سمو هذه الشخصية وعظم الفاجعة التي حلت بالإسلام بقتله. ونحن عندما نتكلم عن هفوات بعض الخطباء، لا يمكن أن نغفل الدور الإيجابي الذي تقوم به أغلبية خطباء المنبر الحسيني في إبراز عِظم وتأثير واقعة كربلاء في التاريخ الإسلامي.

وفي صورة أخرى لتشويه نهضة الحسين بعض مظاهر إظهار الحزن على مقتل الحسين سيد الشهداء، إذ كان من الثابت عن طريق النبي صلوات الله وسلامه عليه والأئمة الأطهار استحباب إظهار الحزن والتفجع لمقتل الحسين وأهل بيته بتلك الصورة الوحشية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، فإن خروج مظاهر الحزن هذه عن المألوف يسيء إلى ذكرى فاجعة الحسين، ولعل مظاهر «التطبير» من جملة الأمور التي ينطبق عليها عنوان «الخروج على المألوف»، خصوصا أن هناك ممن في قلبه مرض من يلتقط هذه الثغرات محاولاً تشويه هذه الواقعة الخالدة، ومعترضاً على استمرار إحيائها.

وإذا كان ما يفعله بعض الخطباء وبعض المتحمسين يسيء إلى الإمام الحسين، بالرغم من كونه يفعل بدافع الحب والإعجاب بالحسين، فإن هناك من يحاول الإساءة إلى الحسين عن سابق إصرار وتعمد، يدفعه إلى ذلك فكره المتحجر، فيدأب في كل عام على طباعة الأشرطة والملصقات والمقالات التي تحذر من «بدعة» إحياء عاشوراء، في استفزاز واضح وصريح لعقائد من يخالفهم بالرأي.

من يستقرئ التاريخ الإسلامي يجد أن هذه النوعية من حملة الفكر الأحادي هم أحد أبرز أسباب التخلف والجمود الذي أصاب الفكر الإسلامي، وهم بهذا الفكر تسببوا في مجازر ومآسٍ كثيرة عبر تاريخ الإسلام الممتد لأكثر من 1400 سنة. ولكن هيهات لهؤلاء أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فالحسين أسمى وأجل من أن يشوهه هؤلاء الظلاميون، فالحسين عبرة كل مسلم، والحسين كما قال عنه جده رسول الله «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة».