لا شيء في طهران لا في الحقيقة الظاهرة ولا في المجاز ولا بالتلميح، يوحي بأن البلاد قد تكون مقبلة على مواجهة ما مع الغرب، بل على العكس تماماً، فإن المؤشرات الظاهرة أو تلك التي تصلك بالتلميح تفيد كلها بأن البلاد قد تكون متجهة إلى مصالحة ما من نوع خاص مع «الاستكبار العالمي»، بما فيه ذلك الذي اتخذ مسمى «الشيطان الأكبر»!

Ad

لكن هذا ليس الوجه الكامل للصورة، وبالتأكيد ليس البعد الوحيد الذي يمكن أن يُرى منه، إذ يكفي أن تتعمق قليلاً في ملامح الأشياء أو تغوص فيها لتكتشف استعدادات «هائلة»، على أكثر من مستوى وأكثر من صعيد، لمواجهة أي احتمال فوق العادة أو ما يمكن وصفه باحتمال قد يأتي من خارج السياقات الظاهرة، أو ما يسميه بعضهم بـ«مقامرة اللحظة الأخيرة» التي عادة ما يلجأ إليها خاسر رهانات القمار كلها!

ولمّا كانت النخب الحاكمة في طهران تنتمي إلى مدرسة الإمام السادس للمسلمين الشيعة أو مَن يُسمون بالشيعة الجعفرية -نسبة إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام- الذي يقول في شرحه لمذهب الشيعة الجعفرية في إطار مجادلات ومحاججات أصحاب مدارس الجبر والتفويض ما نصه: «لا جبر ولا تفويض... إنما هو أمر بين أمرين»، فإن لسان حالها وسلوكها العملي في مواجهة احتمالات الحرب والسلام قد يمكن تلخيصه بالطريقة نفسها بالقول: «إنها تستعد للحرب كأنها واقعة غداً وتعمل من أجل (المصالحة) كأنها قادمة لامحالة»!

وإذا كان منطق الوقائع يشير بوضوح إلى أن جموح دول «الروم» نحو نهب المياه والسيطرة على المضائق والاستيلاء على ثروات بلاد المسلمين والعرب -وفي مقدمها الذهب الأسود والغاز، وضمان أمن الدولة العبرية- لايزال العامل الأساس الذي يحدد سياسات هذه الكيانات المنتفخة. لكن هذا المنطق ذاته يشير في الوقت نفسه، إلى أن العالم يتحرك نحو التغيير الجذري، وإن ببطء ولكن بتؤدة واستمرارية متسقة مع منطق الأشياء، نحو عالم متجدد ومتعدد سيكون فيه لبلاد «فارس» التي تبرز اليوم في إطار الدولة الإيرانية الحديثة، شأن ومقام لم يعد ممكناً لمجموع دول الروم أن تتجاهلهما، فما بالك ببلد واحد من تلك البلاد الجامحة نحو الهيمنة والاستيلاء!

نقول هذا الكلام ليس تقليلاً من شأن أحد ولا نفخاً في دور أو موقع أحد، وليس تقليلاً من احتمالات الحرب ولا تعظيماً لشأن المصالحة إن وقعت، بقدر ما نريد القول إن ما كانت تعتبره الولايات المتحدة الأميركية ومعها بعض حلفائها الغربيين وعدد من المنبهرين بجبروتها من أبناء جلدتنا، تحصيل حاصل أو «قدر لابد منه»، أو كما هي الساعة «آتية لاريب فيها»، كما عبَّر أحدهم يوماً، وهو يحذر من اجتياح العراق، لم يعد اليوم كذلك مع إيران أبداً، ولا يمكن مقارنته مع العراق بأي شكل من الأشكال!

إنها الوقائع والمعادلات والموازين المستجدة التي تكاد تقلب معادلة الربح والخسارة، لو قرر «الروم» أن يذهبوا بجموحهم التقليدي إلى حد تعريض طموح «الفرس» المستجد للخطر!

بمعنى آخر، فإن ثمة موازين جديدة تشكلت تمنع، كحد أدنى، «الروم» من التمدد اللامحدود، وبات من غير الممكن لمجموع دول الروم... فكيف بواحدة عرجاء أن تفكر في القضاء على طموح بلاد وقوة أوقفت زحف الروم على أسوار عواصم جيرانها، إن لم تكن قد أغرقتها في مستنقعاتها؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني