وجهة نظر : حديث مستمرّ!

نشر في 03-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 03-11-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين حديث التطبيع مستمر، وبشكل متصاعد، في دوائر الصحافة والفنون المصرية، خصوصاً بعد فوز فيلم «سلطة بلدي» للمخرجة نادية كامل بجائزة في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، ليس عن طريق لجنة تحكيم المهرجان الأساسية (الدولية)، بل ضمن جوائز لجنة تحكيم مؤسسة بارزة تمنح جوائزها في إطار المهرجان، هي «جماعة التسجيليين المصرية» برئاسة المخرج فؤاد التهامي.

بعيداً عن تغيير رئيس جماعة التسجيليين لجنة التحكيم قبل 48 ساعة من حفلة الختام، بعد أن قدمت نتائجها، واعتماد نتائج اللجنة الجديدة ومنها جائزة فيلم «سلطة بلدي»، هل ينتمي الأخير إلى دعوة للتطبيع حقاً؟

الدعوة المباشرة والواضحة في الفيلم (على مدى أكثر من نصفه الأول) هي دعوة مخرجة الفيلم والدتها المسنّة لزيارة أقاربها في «إسرائيل»، الذين غادروا مصر إليها عام 1948. كانت الوالدة يهودية قبل أن تشهر إسلامها وتتزوج مسلماً، وبينما يبدو اقتناع الأم بالزيارة واضحاً، يظهر تردد الأب في القبول بها، يبدو الرجل حزيناً ومقلاً في كلماته، التي تكرر وتؤكد أن القرار ليس سهلاً... المسألة ليست بسيطة.

هوية الأب هي العامل الرئيس في أهمية القضية... إنه المناضل اليساري المعروف سعد كامل، والذي يلقى احتراماً واسعاً وحقيقياً، لدوره النضالي والتأسيسي في مشروع الثقافة الجماهيرية... يؤدي كامل والأم والأقارب أدوارهم بنفسهم في الفيلم، وكل ما تفعله المخرجة ملاحقتهم بكاميرتها لرصد ردود أفعالهم حول هدف واحد هو الزيارة. إلحاح الإبنة وعزم الأم المسنّة جعلا الأب يقرر كما يقول في الفيلم: «إنه لا يرضى أن يترك زوجته بعد هذا العمر كله في هذه السن وحدها في تلك الرحلة!». ذهب، وبدا غاضباً شارد الفكر معظم الوقت.

توفي كامل قبل حوالي شهرين من انعقاد مهرجان الإسماعيلية في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2008.

تصوّر كاميرا نادية كامل ما تبقى من فيلمها (105 دقيقة، إنتاج مصر وسويسرا وفرنسا 2007)، تلك الزيارة إلى كيان «إسرائيل»، واللقاء العاطفي بين الأقارب الذين يأخذون في استعادة ذكريات الصبا في القاهرة... فيتحدث أحدهم عن أنه لم يتوقف يوماً منذ غادر مصر إلى إسرائيل عن الاستماع لأم كلثوم... لكن الكاميرا تشير إلى صورتين في إطارين على الجدار، لرجلين في جيش الدفاع الإسرائيلي (الاحتلال الإسرائيلي عندنا!)، يقول الأقارب بفخر: «هؤلاء أبناؤنا!»، والمشكلة أيضاً أن المخرجة تقدم ذلك باعتباره أمراً عادياً، أو رصداً لشيء عادي ضمن ما ترصده ببساطة، وكأنما ما من قضية «ولا من يحزنون»، ولا عدوان تكرر مراراً منذ 1948، فشرّد شعباً وقتل وذبح، ولا يزال التشريد والحصار مستمرين والمجازر والمذابح دائمة، في فلسطين منذ ذلك العام.

ذلك كله تجاهلته المخرجة، وزيّنته للأم كما نشاهد ونسمع على مدى الفيلم، ودفعت إليه الأب المحترم المريض واضطرته اضطراراً!

نسألها، ونسأل كل من دافع أو يدافع عن الفيلم بزعم أنه دعوة إنسانية وزيارة إنسانية وسينما إنسانية! وأن الهدف منه ليس سياسياً! لماذا كان الأب (سعد كامل) في المشاهد كلها معترضاً ثم متردداً مهموماً واستمر حزنه بل واكتئابه خلال الزيارة نفسها والى اللحظة الأخيرة؟!

إنه بخبرته ودرايته ومتابعته للصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين، أدرك تماماً خطورة الزيارة، وخطورة اتخاذ القرار بها وتنفيذها، وربما هذا ما ساهم في القضاء عليه، ورحيله.

«التطبيع» حديث مستمر ومتجدد في الحياة الثقافية والفنية المصرية منذ «كامب ديفيد» عام 1978، وللمثقفين المصريين موقفهم الواضح الثابت ضده، وأي موقف مخالف لذلك هو استثناء يؤكد القاعدة لا أكثر.

back to top