Ad

إن كل ما يهم «حماس» منذ أن قامت بذلك الانقلاب الدموي الذي قامت قبل عامٍ ونيف، هو انتـزاع اعتراف عربي ودولي بـ «الدُّوقية» الملتحية التي أقامتها في غزة. فالتحرير غير وارد الآن، والشعار الذي له الأولوية على أيِّ شعار هو: «السُّلطة كل السُّلْطة للمقاومة».

لأن «حزب الله» أبرم صفقة الأسرى مع إسرائيل عبر أطراف أوروبية وبتدخل محدود من قبل الأمم المتحدة فإن حركة «حماس»، التي أصابتها العدوى والغيرة، ويبدو أنها تسلمت التعليمات ذاتها التي تسلمها «سيِّد المقاومة» من الذين يهددون بـ«إحراق» تل أبيت والأسطول الخامس الأميركي وبإقفال مضيق هرمز، أخذت تتهرب من الوساطة المصرية، إن بالنسبة للأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، وإن بالنسبة لـ«التهدئة» وفتح المعابر الغزية.

تمردت بعض التنظيمات الفلسطينية المتحالفة مع «حماس»، وهي التي تقرأ على الشيخ نفسه الذي تقرأ عليه هذه الحركة، وشاغبت على «الهدنة» التي حصلت عليها حركة المقاومة الإسلامية بشق الأنفس وبماء الوجه وعرق الجبين، وبإطلاق عدد من الصواريخ الدخانية إياها على «سديروت» الإسرائيلية. وجاء ردّ خالد مشعل ورئيس وزراء «دوقية» غزة إسماعيل هنية بوقف الاتصالات المتلاحقة التي تقوم بها مصر لإبرام صفقة أسرى على أساس الإفراج عن أعداد من السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح شاليط.

إنها مسرحية، فـ«حماس» بعد أن حقق «سيِّد المقاومة» الانتصار الإلهي الجديد الذي حققه وأبرم صفقة الأسرى مع الإسرائيليين بتدخل دولي، شاركت فيه الأمم المتحـدة بدور متواضع، أخذت تشاغب على الوساطة المصرية التي حققت حتى الآن ما أمكن تحقيقه، وأخذت تعمل على استبدالها بوساطة دولية، وهذا ما قاله محمود الزهار مراراً وتكراراً خلال زيارته الأخيرة الى القاهرة، ولذلك كانت حكاية الصواريخ المشاغبة والمنفلتة، وكانت خطوة تجميد مفاوضات إطلاق الجندي الإسرائيلي شاليط مقابل أعداد من الأسرى الفلسطينيين لم يتم التوصل الى تحديد أعدادهم بعد .

إن كل ما يهم «حماس» منذ أن قامت بذلك الانقلاب الدموي الذي قامت قبل عامٍ ونيف، هو انتـزاع اعتراف عربي ودولي بـ «الدُّوقية» الملتحية التي أقامتها في غزة. فالتحرير غير وارد الآن والشعار الذي له الأولوية على أيِّ شعار هو: «السُّلطة كل السُّلْطة للمقاومة». وللتذكير فقط، فإن هذا هو الشعار الذي رفعته بعض الفصائل الفلسطينية التي كانت شكلت دولة داخل الدولة الأردنية عشية أحداث سبتمبر الشهيرة عام 1970.

ليس مهماً هذا الذي يقال كله حول المفاوضات الوحدوية التي يتم تسويقها على الفلسطينيين أولاً، وعلى العـــرب ثانياً، والتي يسعى كل طـرف من الطرفين الرئيسيين، منظمة التحرير وحركة «حماس»، من خلالها إلى تحميل المسؤولية للطرف الآخر. فالهدف هو انتـزاع اعتراف عربي ودولي بـ «الدوقية» الغزية التي لا «أبأس» منها كياناً عرفته البشرية منذ أن ظهرت الكيانات في بداية التاريخ وحتى الآن.

إن مصر، التي هي أكثر الدول العربية معرفة بحركة «حماس» وبواقع قطاع غزة، بحكم عوامل كثيرة، تعرف هذه الألاعيب كلها، وتعرف أن ما قامت به حركة المقاومة الإسلامية كله، منذ أن قامت بانقلابها وانتـزعت السلطة في هذا الجزء من فلسطين من يد محمود عباس ومنظمة التحرير، كانت وراءه إيران، وخصوصاً طوفان اجتياح الحدود الذي قد يتكرر في أي لحظة. لكنها، أي مصر، ترى أنها مضطرة الى القيام بكل هذا الذي تقوم به، من «التهدئة» إلى صفقة الأسرى التي لم تتم بعد، إلى فتح المعابر، بحكم الواجب القومي تجاه شعب شقيق وبحكم أمنها الوطني الذي غدا مهدداً بأي فلتان قد يشهده «القطاع» الملاصق والمحادد لسيناء العريش.

وهنا، فإن السؤال الذي يجب أن يطرحه كل متابع ومعني هو: هل «حماس» ستحقق ما تسعى إليه يا ترى؟!

أولاً، إنه غير وارد على الإطلاق أن ترفع مصر يدها عن هذه المسألة. فالأمر يتعلق بأمنها الوطني وهو يتعلق أيضاً بأن عوامل الجوار وعوامل الرابط القومي تفرض عليها مواصلة ما كانت بدأته، وأن تبقى حاضرة في أي تطور فلسطيني، وخصوصاً بالنسبة لقطاع غزة.

ثانياً، إن المجتمع الدولي لا ينظر إلى حركة «حماس» النظرة ذاتها التي ينظرها إلى «حزب الله» فهو لايزال يعتبرها منظمة إرهابية معادية للسلام، بينما ينظر إلى الحزب النظرة ذاتها، ولكن من زاوية أخرى غير الزاوية التي ينظر من خلالها إلى حركة المقاومة الإسلامية.

* كاتب وسياسي أردني