الأجل
من ضمن المفاهيم المفرودة للزمان في القرآن مثل القرن والدهر والساعة والفجر والعصر مفهوم الأجل، وهو زمن الإنسان وحياته أي عمره المحدد بالميلاد والموت، وقد ورد اللفظ ستاً وخمسين مرة بخمسة معانٍ مختلفة.الأول الأجل بمعنى المدة المعينة في العلاقات الزوجية (ست مرات) سواء في عقد النكاح «وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أجَلَهُ» أو في مدة الحمل «وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» أو الطلاق والفراق «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» دون حسم حتى لا تترك كالمعلقة، لا زوجة ولا مطلقة «وَإذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ». فالإمساك بمعروف والتسريح بإحسان «فَإِذَا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ». فإذا طلقت الزوجة وانقضت العدة فهي حرة في نفسها أن تتزوج من جديد «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنْفُسِهِنَّ».
والثاني الأجل بمعنى مدة الديْن قبل الوفاء به وقضائه (مرتان). والأشياء أقل أهمية من الأفراد، فالديْن إلى أجل يُكتب حتى يلتزم الطرفان، الدائن والمدين، بشروطه «إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ». ولا يهم إذا كان الدين صغيرا أم كبيرا. فحفظ الحقوق جزء من العلاقات الإنسانية السليمة «وَلا تَسْأمُوا أنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أوْ كبِيرًا إلَى أجَلِهِ». وهو ما دفع الحضارة الإسلامية كلها إلى تدوين العلوم بما في القرآن.والثالث الأجل بمعنى حياة الفرد والعمر. وهو أكثر المعاني شيوعا (واحد وثلاثون مرة)، ويزيد على نصف المرات، فالأجل نهاية الحياة المحددة بالميلاد والموت «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أجَلاً وَأجَلٌ مُسَمّىً». وهو معنى الآية الشهيرة، «لِكُلِّ أجَلٍ كِتَابٌ». ولا تغيير فيه «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأجَلٌ مُسمّى». وإذا جاء الأجل لا يتأخر ساعة ولا يتقدم «إنَّ أجَلَ اللهِ إذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، «فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ»، «وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إذَا جَاءَ أجَلُهَا»، فالله هو الذي يحدد الآجال «رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا ببَعْضٍ وَبَلَغْنَا أجَلَنَا الَّذِي أجَّلْتَ لَنَا». وتحدد الآجال والنفوس مازالت في الأرحام «وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلَى أجَلٍ مُسَمّىً». فالأجل محدد ومنذ ساعة الخلق «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أجَلاً». وهو يقين لا ريب فيه «وَجَعَلَ لَهُمْ أجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ». والوفاة حين يأتي الأجل «وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أجَلاً مُسَمّىً». ونظرا لحب الإنسان الحياة لما فيها من متع بالأشياء وبالأفراد فإنه يتمنى تأجيل الأجل، والتأجيل والأجل من نفس الاشتقاق «رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أجَلَنَا الَّذِي أجَّلْتَ لَنَا». فإذا تمت الاستجابة فإلى أجل معدود وليس إلى الأبد «وَمَا نُؤَخِّرُهُ إلا لأجَلٍ مَعْدُودٍ». وهو تأجيل رحمة من الله للعباد وليعطيهم فرصة أخرى للقيام بأعمال صالحة «يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أجَلٍ مُسَمّىً». ويتم ذلك بناء على طلب البشر، من يشعر منهم بأنه في حاجة إلى وقت ليصلح بعد أن أفسد «فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أخِّرْنَا إلَى أجَلٍ قَرِيبٍ». وهو تحقق مطلب إنساني وليس كل مظاهر الحياة التي لها أجل محدد كالنبات والحيوان لأن الإنسان فقط هو المسؤول الحر القادر على تغيير الأفعال «مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أجَلٍ مُسَمّىً». ومن الناس من يستعجل العذاب لأنه لا يأمل في التغيير «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ». فالحساب له وقت محدد، فلعل الإنسان يستفيد من طول العمر «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إلَى أجَلٍ مُسَمّىً لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ»، ولكن الأغلبية من الناس تريد مهلة وفرصة ممتدة لتعمل عملا صالحا «فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أخَّرْتَنِي إلَى أجَلٍ قَرِيبٍ فَأصَّدَّقَ وَأكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ». ويقابل الله السيئة بالمغفرة «يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلَى أجَلٍ مُسَمّىً». ومهما استعجل الإنسان الشر أو الخير فإن العمر مازال أمامهم مديدا «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أجَلُهُمْ»، وقد يتمنى أحد تأجيل الأجل لتأجيل القتال إشفاقا منه «وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أخَّرْتَنَا إلَى أجَلٍ قَرِيبٍ». والرابع حياة الجماعة والأمة، فلكل أمة أجل «وَلِكُلِّ أمَّةٍ أجَلٌ فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً»، وتلك هي دورات الحضارات، وقيام الأمم وسقوطها «مَا تَسْبِقُ مِنْ أمَّةٍ أجَلَهَا وَمَا يَسْتَأخِرُونَ»، وكما يُبعث الأفراد تنهض الأمم والشعوب من جديد «ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ». والخامس أجل الكون والطبيعة «مَا خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلا بِالْحَقِّ وَأجَلٍ مُسَمّىً»، فالكون له أجل محدود منذ الخلق إلى البعث «لأيِّ يَوْمٍ أجِّلَتْ»، فكل شيء في الطبيعة يسير طبقا لقانون زماني «وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمّىً». وفي اللغة التداولية الأجل بمعنى العمر المحدد بالموت هو المعنى الشائع ،كما هي الحال في القرآن، المعنى الثالث، ويستعمل في الدعاء على الأعداء «ربنا يأخذ أجلك». وقد تحولت آية «لِكُلِّ أجَلٍ كِتَابٌ» إلى مثل شعبي وقول مأثور، ومع ذلك لا يمنع تحديد الأجل من الاستعجال فيه أي القفز إلى الأمام أو الاستبطاء فيه. فالحركة داخل الزمان ممكنة للإسراع والتأخير، وحينئذٍ يتحول الزمان إلى خلود.* كاتب ومفكر مصري