-1-

Ad

ما حال الإسلام الآن، لو لم تظهر «السلفية الجهادية» بقيادة تنظيم «القاعدة» الديني، الذي يقوده رجال سياسة بثوب ديني مهلهل، يسعون في كل مكان إلى الاستيلاء على السلطة بالعنف، حيث لم يقدروا عليها بالسياسة والفكر؟

وما حال الإسلام الآن، لو لم تظهر السلفية، التي بنى فكرها رجل الدين والفقيه الباكستاني أبو الأعلى المودودي من خلال حزبه «جماعت إسلامي»، وتلميذه سيّد قطب من خلال «جماعة الإخوان المسلمين»، التي ظلت محظورة في مصر حتى الآن، منذ عام 1948، بعد اغتيالهم رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي باشا (1888- 1948)، بواسطة جهازهم السري؟

فهل كان الإسلام دين الإرهاب؟

وهل المسلمون جميعهم أصوليون؟

وهل الأصوليون المسلمون بالتالي هم إرهابيون؟

ورغم هذا، فإن الإرهابيين- للأسف الشديد- أصوليون، أو من السلفية الجهادية.

قال برنارد لويس المستشرق الأميركي من أصل بريطاني، عام 2003: «معظم المسلمين ليسوا أصوليين، ومعظم الأصوليين ليسوا إرهابيين، ولكن معظم الإرهابيين الحاليين هم مسلمون، ويدعون بفخر أنهم كذلك».

-2-

لقد قام سيّد قطب– الثدي الدافئ المدرار للأصولية الإسلامية المعاصرة- بمراجعة، وإعادة كتابة، ما قاله ابن حنبل، وابن تيمية، وأبو الأعلى المودودي بخصوص جاهلية المجتمع الحديث، وجاهلية السلطة والقيم السياسية السائدة، وانتهى- كما انتهى أبو الأعلى المودودي– إلى أن الحاكمية لله، هي أرقى، وأبقى نظم الحكم السياسي للبشرية جمعاء. بل إن سيّد قطب، يردد ما قاله ابن حنبل، وابن تيمية، وأهل السُنَّة والجماعة من قبلهم، بضرورة إطاعة ولي الأمر، وعدم الخروج عليه. وهي أن: «الخلق عباد الله، والولاة نواب الله على عبادهم، وهم وكلاء العباد على نفوسهم».

وترديد الحديث النبوي، الذي رواه الحسن البصري: «لا تعصوا أولي الأمر منكم، فإن عدلوا فلهم الأجر، وعليكم الشكر. وإن بغوا فعليهم الوزر، وعليكم الصبر، فهو امتحان من الله، يبتلي به من يشاء من عباده، فعليكم أن تتقبلوه بالصبر والأناة، لا بالثورة والغيظ». وقول الحديث النبوي، الذي يحض على طاعة السلطة ومسؤوليتها أمام الله: «أدوا إليهم الذي لهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم».

وكل هذه النصوص تعترف بالعجز البائن، عن إمكانية محاسبة السلطة السياسية باعتبارها خليفة الله ورسوله على الناس، ومسؤوليتها أمام الناس هي مسؤوليتها نفسها أمام الله ورسوله. ولا يغير السلطة إلا الله، الذي أتى بها إلى الحكم.

-3-

الحاكم لا يخضع للشارع، ولكنه يخضع للشرع... وقد قرأنا قول الخليفة عثمان بن عفان، عندما جاء إليه نفر من الصحابة بقيادة محمد بن أبي بكر الصديق، يطالبونه بالتنحي خوفاً من الثورة عليه وقتله، فرد عليهم بالقول المشهور، الذي أصبح فيما بعد المادة الوحيدة المُحافظ عليها، والُمتبعة من قبل كل حكام المسلمين: «لا أنزع قميصاً سربلنيه الله».

وبالتالي فإن المحاسبة، ما دامت واجبة وشرعية، فلتكن للمجتمع الكافر المتماهي مع المجتمع الغربي المنحل، ولتكن للمؤسسة الدينية المتحالفة مع السلطة، والتي تُسبغ عليها الشرعية الدينية، وتدافع عنها.

-4-

ولكن، علينا أن نلتفت إلى جانب مهم في كتاب ابن تيمية «السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية» عندما نقرؤه من داخل التاريخ، وليس من فوقه. فنصل إلى نتيجة أن هذا الكتاب، قد كُتب في القرن الثالث عشر الميلادي تقريباً، في وقت كان فيه المسلمون بحاجة إلى حاكم عربي مسلم، في ظل تداعي الإمبراطورية العباسية، وإشرافها على الهلاك، وفي ظل تهديد المغول للشرق الإسلامي، خصوصا منطقة العراق، وبلاد الشام. كما كان فيه الصراع في العراق بين السُنَّة والشيعة على أشده– كما هو حاله اليوم مع إيران- مما أمكن المغول من اجتياح العراق، بمساعدة مؤيد الدين العلقمي، عدو السُنَّة، وزير آخر خلفاء بن العباس المستعصم بالله (1242- 1258) الذي قتله المغول، ويشرح هذا الظرف التاريخي الباحث المغربي، سالم يفوت بقوله:

«كانت الملامح العامة للظرف التاريخي، الذي عاش فيه ابن تيمية، غياب خلافة فعالة، وغياب سلطة فعالة. ذلك أن الخليفة، لم تعد له سوى سلطة وهمية، بينما ظلت السلطة الحقيقية بيد الأمراء المماليك. كذلك، كان هناك غياب وحدة في العقيدة لانتشار التصوف، وهيمنة الجمود، الذي كرّس التفرقة والانقسام، وابتعاد الناس عن أدلة القرآن نفسها».

-5-

وفي هذا الظرف التاريخي الدقيق، كان على ابن تيمية، وهو يشاهد انهيار الخلافة الإسلامية، وتولي المغول الحكم في بغداد، وتدمير بغداد، وقتل الخليفة المستعصم بالله، وسيطرة التتار على العراق، وخراسان، وبلاد الشام، أن يقف موقفاً فكرياً وثقافياً ودينياً معادياً، للآخر ولفكر الآخر، كما يقف الآن بعض مثقفينا من الفكري الغربي، والثقافة الأميركية، نتيجة لما يجري في فلسطين، والعراق، وأفغانستان. فكان موقف ابن تيميه وتمسكه بالنقل، وعدائه للعقل اليوناني، كما جاء في كتابيه «الرد على المنطقيين»، و«نقض المنطق»، وقوله المشهور: «من تمنطق فقد تزندق» موقفاً تمليه عليه اللحظة التاريخية آنذاك، ويمليه عليه التاريخ الجديد للعرب والمسلمين.

-6-

ويضيف سالم يفوت قائلاً: هذا الظرف التاريخي، لا يمكننا أن ننتظر منه، أن يفرز سوى الميل إلى مناصرة المنقول، ومقاومة ما عداه، وإلى التأكيد أن للمنقول معقوله الخاص، وأنه لا ينطوي على قضايا إخبارية فقط، بل أيضاً برهانية. وتوجيه الأنظار إلى الأصول العقلية فيه، قصد إبراز غنى المنقول، واكتفائه الذاتي، وعدم احتياجه إلى ما هو أجنبي عنه. فقد جاء في كتاب «الرد على المنطقيين، ص 30»، «أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي، ولا ينتفع به البليد».

فلولا الفكر الضلالي الديني، في قرون سابقة، ولولا ظهور السلفية الجهادية من جديد، في أواخر القرن الماضي، لكان حال الإسلام النقي، أفضل بكثير مما هو عليه الآن.

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء