لو تساءلنا ترى ماذا يميزنا عن دول المحيط والكثير من الدول النامية؟ فإن الإجابة ستكون على الفور أننا بلد ديمقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وأننا بلد المؤسسات الدستورية... ولكن ماذا يعني ذلك؟

Ad

يعني من ضمن أمور أخرى أن لدينا مجلس أمة منتخباً، وأن الفصل بين السلطات مع تعاونها هو أساس نظام حكمنا الديمقراطي. كما أنه يعني أن الحريات العامة والشخصية مصونة وحق الاختيار محفوظ، ويعني أيضا التعددية السياسية والعدل والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات على أساس المواطنة الدستورية، فضلاً عن العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة، وهناك نصوص دستورية واضحة وصريحة تبين ذلك منها:

مادة (6) "نظام الحكم في دولة الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور".

مادة (7) العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين.

مادة (8) تصون الدولة دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين.

مادة (36) حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون.

مادة (37) حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون.

إذن الديمقراطية ليست ورقة اقتراع فقط، ولكن ماذا عن التطبيق؟ هل هذا هو واقع الحال؟ للأسف فإن الإجابة عن ذلك بالنفي... ويكفي للتدليل هنا أن نأخذ مثالاً واحداً هو موضوع الحريات العامة التي يلاحظ أن هناك محاولات متكررة ودؤوبة من قبل الحكومة لتقييدها مثلما جرى عند إطلاق الحملة الانتخابية الحالية من مظاهر تعسف في تطبيق القانون على بعض المرشحين وبعض المواطنين بشكل لم تعتده الكويت من ذي قبل لمجرد إبدائهم آراءهم في الشأن العام سواء اتفقنا أو اختلفنا مع هذه الآراء.

يضاف إلى ذلك أيضا "توجيهات" وزير الإعلام للصحف ولوسائل الإعلام الأخرى، "وتحذيراته" بأن الوزارة تراقب كل ما ينشر ويذاع بطريقة توحي بأن سقف حرية إبداء الرأي بدأ ينخفض، وأن الحكومة لن تسمح للمرشحين بإبداء آرائهم بحرية كاملة في الشأن العام. ناهيك عن بعض الشكاوى التي برزت فجأة في الأونة الأخيرة بحق بعض المرشحين التي يبدو أن من ضمن أهدافها تقييد حرية إبداء الرأي التي عادة ما يرتفع سقفها أثناء الحملات الانتخابية.

ومن المؤسف أن موضوع الحريات العامة لا يحظى بالاهتمام اللازم من قبل المرشحين بمن فيهم مرشحو القوى السياسية، رغم أن الحريات العامة موضوع مشترك يهم الجميع بعض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الفكرية، ومن المفترض في بلد ديمقراطي أن يكون هنالك إجماع على ذلك بين القوى السياسية كافة يتعدى بيانات الاستنكار والشجب ليصل إلى الاتفاق المشترك على ضرورة تعديل ما يتناقض مع الدستور من قوانين مقيِّدة للحريات العامة، فضلاً عن إصدار قوانين جديدة لحمايتها وحفظ حق الجميع في التعبير عن وجهة نظره والدفاع عن ذلك بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما يطرح، مع أهمية أن نتذكر جميعنا دائماً القول المأثور "ستؤكلون يوم أُكل الثور الأبيض"!

***

نافذة:

لم يكن مستغرباً الموقف السياسي الذي أعلنته الحركة السلفية الداعي إلى "تكفير" التصويت للمرأة المرشحة لأنه يتماشى مع موقف التيارات السياسية الإسلامية المتشددة الرافض للدستور وللنظام الديمقراطي برمته، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الحركة السلفية بفصائلها كافة كانت حتى بداية ثمانينيات القرن الماضي، لا ترفض المشاركة في الانتخابات العامة فحسب، بل إنها كانت "تكفِّر" مَن كان يشارك فيها. وعندما قررت الحركة السلفية لاحقاً المشاركة في الحياة السياسية لم يكن الهدف من ذلك ترسيخ أسس النظام الديمقراطي الذي نص عليه الدستور، بل كان الهدف، على الأقل بالنسبة لفصيل مؤثر داخلها، هو وأد النظام الديمقراطي ونسفه من الداخل!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء