الرؤساء وراء القضبان!
![أ.د. غانم النجار](https://www.aljarida.com/uploads/authors/30_1682522974.jpg)
استطاع كارادزيتش التواري عن الأنظار، وخرج إلى العلن منتحلاً شخصية الدكتور دراجان دابك، طبيب الأعشاب، متنكراً بلحية كثة بيضاء وشعر كثيف أبيض على شاكلة «بابا نويل»، ومارس عمله في إحدى ضواحي بلغراد وتردد على حانة مادهاوس، ولم يشك فيه أحد، وجاء القبض عليه يوم الاثنين الماضي وحيداً إلا من رفقة صديقة له تدعى ميلا.كان واضحا أنه خالف التوقعات كلها، فقد تفرق الأصحاب من حوله، وضاعت معالم ما كان العالم يظنه من تنظيم حديدي، ولم يجد مَن يتضامن معه في شوارع بلغراد إلا عشرات عدة.لم يكن تزامن اعتقال كارادزيتش بعيداً عن مجيء رئيس صربي منتخب جديد مؤيد للغرب هو بوريس تاديتش، فقد تم انتخاب تاديتش قبل أسبوعين وكانت أولى إجراءاته تعيين مسؤول أمني جديد.ربما كانت السلطات الصربية تعلم بمكان وجود كارادزيتش طوال هذه المدة، ولكنها الإرادة السياسية، وربما يكون في ذلك درس أو دروس للقيادات السياسية التي قد تتهم بجرائم حرب مشابهة. من المؤكد أن توقيت اعتقال كارادزيتش سيُلقي بظلاله على القضية المنظورة في المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير بالاتهامات ذاتها.ومع أن محكمة يوغوسلافيا السابقة، هي محكمة خاصة وتختلف بدرجة كبيرة عن المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في الاتهامات الموجهة الى الرئيس السوداني، فإن هناك فرصة ذهبية للرئيس السوداني للتعامل بجدية أكثر، ويخفف من الجريمة السياسية في التعامل مع المحكمة، وقراءة الكتابات على الجدران بصورة أكثر واقعية.ولعل بداية التعامل الجدي اتضح بإعلان السودان تشكيل محاكم جرائم حرب لمحاكمة المتهمين، وهي مطالب طالما تجاهلها، إلا أن الطريق للتعامل بجدية مع المحكمة الدولية مازال طويلاً.اعتقال كارادزيتش جاء في توقيته المناسب ليعلن بوضوح أن منظومة العدالة الدولية آخذة في التكون، وأنها ستكون الضامنة لحماية البشر من تعدى الطغاة، وإرهاب المجرمين ضد الإنسانية.مَن كان يتابع موضوع جرائم الحرب في البوسنة وملاحقة كارادزيتش يدرك أن التحولات والمتغيرات السياسية داخل يوغوسلافيا السابقة قد أسهمت في القبض عليه، كذلك كان الوضع مع الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، والذي تم ترحيله إلى المحكمة الدولية بعملية تكاد تكون وكأنها عملية اختطاف، وكذلك تغير الأوضاع السياسية أدت إلى محاكمة تشارلز تايلور رئيس ليبيريا، وإن بملابسات مختلفة.ولن يكون الرهان على ثبات الأوضاع السياسية إلا كالرهان على ثبات الرمال المتحركة.