إن انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة على هذا النحو المذهل كان كافياً بالفعل لتحسين صورة أميركا في العالم. ففي محل الرئيس الذي كان مؤهله الوحيد لاحتلال منصبه اسم والده، أصبح لدينا الآن رئيس نجح بذكائه ورجاحة بصيرته في التغلب على العقبة الكأداء التي تمثلت في كونه ولداً لأب مسلم من إفريقيا. من كان ليتصور بعد الانتخابات الرئاسية الماضية والتي سبقتها أن الشعب الأميركي قادر على انتخاب مثل هذا المرشح؟
إن هذا الإنجاز الذي حققه أوباما من شأنه أن يزيد من حجم المخاطر أثناء فترة ولايته الأولى. فقد أقام حملته الانتخابية على أساس أنه مختلف عن غيره من الساسة وأنه قادر على إحداث تغيير حقيقي. ولقد اجتذب هذا النداء حشوداً من الجماهير المتحمسة، التي نجحت إلى جانب الاستخدام الذكي لشبكة الإنترنت في تمكينه من الحصول على مساعدة أربعة ملايين متبرع، وهو رقم غير مسبوق، وحث أعداد ضخمة من الأميركيين من أصل إفريقي والشباب على تسجيل أسمائهم في قوائم الناخبين.إنها لفرصة لا تسنح إلا مرة واحدة في العمر لاختراق هذا الجو الفوضوي المستخف الذي هيمن على السياسة الأميركية لعقود من الزمان. ولكن إذا ما فشل أوباما في الوفاء بوعد التغيير، فلسوف تمر عقود من الزمان قبل أن يعود الناخبون إلى وضع ثقتهم في مرشح آخر يزعم أنه مختلف عن غيره من الساسة.إن العديد من الأميركيين سوف يحكمون على الإدارة الجديدة من خلال ما تقوم به في الداخل. وهذا يتضمن زيادة الضرائب على هؤلاء الذين يكسبون أكثر من 250 ألف دولار سنوياً، واستخدام الأموال في بسط مظلة التأمين الصحي إلى عشرات الملايين من الأميركيين الذين لا يتمتعون بهذه الرعاية- وهو أمر فريد بين الدول الصناعية. كما تعهد أوباما بتخفيض الضرائب المفروضة على العاملين من ذوي الدخول المتوسطة والمتدنية، وتحسين النظام التعليمي الأميركي. والحقيقة أن الوفاء بهذه الوعود على الرغم من التوقعات الاقتصادية القاتمة لن يكون بالمهمة اليسيرة.بيد أن الأثر الأكبر الذي يستطيع أوباما أن يحدثه سوف يكون وراء حدود أميركا. في العام الماضي حين كان يتحدث إلى مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، دعا أميركا إلى انتخاب رئيس قادر على التحدث مباشرة إلى كل شخص في العالم يتوق إلى الكرامة والأمن، وأن يقول له: «أنت شخص مهم في نظرنا. ومستقبلك هو مستقبلنا. ولقد حانت لحظتنا الآن». حقاً، إنها اللحظة الفاصلة.إذا كان أوباما راغباً في أن يصبح ذلك الرئيس فيتعين عليه أن يبدأ بالوفاء بوعوده بإغلاق سجن خليج غوانتانامو، وإنهاء ممارسات إدارة بوش التي استباحت لنفسها احتجاز الناس وحبسهم دون حتى أن تخبرهم لماذا أو ما هي تهمتهم. يتعين عليه أيضاً أن يبدأ عملية سحب القوات المقاتلة من العراق، وهي المهمة التي قال إنها سوف تكتمل في غضون ستة عشر شهراً. إن الوفاء بهذه الوعود سوف يشكل خطوة بالغة الأهمية نحو تحسين صورة أميركا في أنحاء العالم المختلفة.إن الاضطلاع بدور بـنَّاء في تحقيق الإصلاح في الأمم المتحدة يشكل أيضاً أهمية قصوى. يبلغ هيكل مجلس الأمن من العمر الآن ستين عاماً. ومازال يمنح المنتصرين في الحرب العالمية الثانية عضويته الدائمة، فضلاً عن الحق في نقض القرارات التي يتخذها المجلس. ولتغيير هذا الواقع فإن هذا يعني تقليم المزايا التي تنفرد بها هذه الدول، بما فيها الولايات المتحدة. ولكن إن كان أي رئيس للولايات المتحدة قادر على التغلب على هذا الشبح التاريخي المعلق فوق رأس الأمم المتحدة، فهو أوباما.وإذا علمنا أن والد أوباما رجل من كينيا، وأن أوباما ذاته أمضى بعض الوقت في القرى الإفريقية حيث مازال يعيش أقرباؤه، فلن نندهش حين ندرك أنه يتفهم الواجب المفروض على الدول الغنية بمساعدة البلدان النامية. كان أوباما في العام الماضي قد تعهد بمضاعفة مساعدات الولايات المتحدة الخارجية بحلول عام 2012، بحيث تصل إلى خمسين مليار دولار سنوياً. (حتى إذا بلغت المساعدات هذا الرقم فلسوف تظل متأخرة كثيراً عن العديد من الدول الأوروبية قياساً على النسبة التي تخصصها للمساعدات الأجنبية من دخولها الوطنية).لابد أيضاً من توجيه المساعدات الأميركية على نحو أفضل بحيث يستفيد منها أولئك الذين يعيشون في ظل الفقر المدقع. ومن المؤسف أن جون بايدن نائب الرئيس، حين سُـئل أيام كان نائباً في مجلس الشيوخ عن أوجه الإنفاق التي قد تختصرها إدارة أوباما بسبب الأزمة المالية، أشار إلى التعهد بزيادة المساعدات الخارجية. بيد أن مضاعفة المساعدات الأميركية الخارجية يشتمل على مبلغ متواضع من المال، مقارنة بما قد تدخره الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق.ولعل الجانب الأشد صعوبة في مهمة تحويل الولايات المتحدة إلى مواطن عالمي صالح أن تحمل نفسها على العمل على الحد من الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري- والتي بلغت معدلاتها ما يقرب من خمسة أضعاف نصيب الفرد في المتوسط العالمي. وفي هذه القضية أهدرت إدارة بوش ثمانية أعوام ثمينة بلغنا خلالها إلى نقطة قريبة إلى حد خطير من نقطة اللاعودة حيث قد تؤدي سلسلة من الأحداث التي لا يمكن عكسها إلى الكارثة.في العام الماضي اتهم الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني البلدان الصناعية بارتكاب أعمال عدائية ضد إفريقيا بالتسبب في حدوث الاحتباس الحراري العالمي. وقد يبدو في هذا الاتهام بعض الغلو، إلا أن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات سقوط الأمطار في دولة تعتمد أساساً على الزراعة أمر لا يقل تخريباً عن إسقاط القنابل عليها.يتعين على أوباما أن يجعل الولايات المتحدة تتولى زمام المبادرة في الحد من الانبعاثات. وبعد أن يظهر نواياه الحسنة فلسوف يكون لزاماً عليه، هو والزعماء الأوروبيين، أن يعملوا معاً من أجل التوصل إلى اتفاق يضم الصين والهند إلى أي ترتيب من المفترض أن يحل في محل «بروتوكول كيوتو» بعد انتهاء العمل به في عام 2012. وقد يكون هذا هو التحدي الأخلاقي الأعظم الذي يواجه رئاسة أوباما، ولكن لأن الكثير معلق على هذا الأمر، فإن الأسلوب الذي سوف يستجيب به من المرجح أن يلعب دوراً حاسماً في الحكم على رئاسته.* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون. «بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
أوباما والتحديات الأخلاقية العالمية
06-11-2008