Ad

لم يبق إلا أن نحتفل عالميا بنهاية الأحلام الإمبراطورية، وصدقوني بأنه ليس أمام الرئيس الأميركي المنتخب إلا أن يسدل الستار على الحلم الإمبراطوري الأميركي الذي سوّق له المحافظون الجدد طويلا، وسيذعن عاجلا أم آجلا إلى تغيير تعامله مع الآخرين.

اعترف المسؤولون الأميركيون المنتخبون حديثاً بسيئات من سبقوهم أم لم يعترفوا، وأذعن الأوروبيون بخطأ الانجرار وراء المشروع الأميركي الإمبراطوري النزعة الذي يكاد يودي بهم إلى الهاوية أم لم يذعنوا، فإن ذلك لن يغير من الأمر في شيء!

فحتى نوري المالكي يبدو أنه نفد صبره وضاق صدره، وقرر أن يضرب بدستور بول بريمر والقوانين التي تركها كإرث سيئ يثقل على صدور العراقيين عرض الحائط كما جاء في الأخبار!

كرزاي هو الآخر غير راض بل مستاء جدا من أساليب العنف الأعمى التي تتبعها قوات التحالف تجاه شعبه، والإهمال واللامبالاة اللذين تتعامل بهما إزاء خططه ونظرته إلى مستقبل بلاده التنموي، فهم بنظره لا يهتمون إلا بأمن قواتهم فقط لا غير!

حتى باكستان لن تقبل بعد اليوم ما كانت تقبله في الأمس، وستقاوم من الآن فصاعدا خطط التقسيم والتفتيت التي أعدتها لها المخابرات الأميركية، ولن تسمح لمنظري الفتن المتنقلة للترويج «بأن باكستان ليست سوى «لملوم» ووهم بريطاني فاشل حاول فبركة دولة حان الوقت لإعادة رسم حدود ولاياتها الخمس من جديد»، أي تركها تتخاصم داخليا إلى أن تنقسم إلى خمس دول مسلمة كما كانت أيام الحكم البريطاني، اثنتين أو ثلاث منها ستُلحق بالهند وماتبقى يشكل كيانات جديدة منفصلة، كما جاء في «الواشنطن بوست» قبل أشهر!

ولننظر إلى سلوك ما كان حتى الأمس القريب يسمى بالحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية، أي أميركا اللاتينية أو بالأحرى بقايا الممالك الحضارية الهندية الحمراء التي أسقطها البيض من حسابات التاريخ والجغرافيا، وحرمتها «المدنية» الأنجلوساكسونية من التطور بسبب حروب الإبادة الشهيرة.

انظروا إليها كيف تنتفض اليوم الواحدة بعد الأخرى، مستذكرة كل ذلك الألم وكل تلك المعاناة، وتحاول الانتقام رمزيا على الأقل لكرامتها من خلال اعتبار انتصار أوباما هزيمة للمشروع الأنجلوساكسوني الأبيض الحقود!

وأخيرا وليس آخرا فلننظر إلى روسيا التي حاولت ولاتزال استيعاب خروجها المذل من لعبة القوى العظمى، لكنها، منذ أن فقدت أعصابها في الحرب الجورجية الأخيرة، بدأت تفكر جديا في إيجاد الصيغ البديلة مع شريكتها الصين في الطموح لدور عالمي يليق بها، في إيجاد الصيغ الاقتصادية والمالية البديلة، فكان اجتماع طهران الشهير أولا، والذي أعلن انطلاق أوبك الغاز الذي ضم بالإضافة إلى روسيا وإيران دولة قطر أيضا، وها هم وزراء مالية روسيا والصين والهند والبرازيل يجتمعون للبحث عن نظام مالي عالمي بديل!

نعود إلى العراق على سبيل المثال لا الحصر مثلا فنقول: إذا أردنا فهم ما يجري من مقاومة غير معلنة للاتفاق الأمني من جانب حلفاء الأمس، والتجرؤ على من يحكم اليوم بفضلهم في المنطقة العراقية الخضراء، فإن علينا أن نقرأ جيدا وعميقا دلالات صعود إفريقي أسود إلى سدة الرئاسة في واشنطن، على مدى الحجم المتبقي للأميركيين في معادلة صنع القرار الدولي من جهة، وعلى موازين القوى الإقليمية والدولية التي في طريقها إلى التبلور والظهور خلال الأشهر القادمة على أنقاض الطموح الإمبراطوري الأميركي الذي سيتهاوى شيئا مع كل يوم جديد من حكومة باراك أوباما التي أرادتها المؤسسة الأميركية على ما يبدو خشبة الخلاص لما تبقى من دور أميركي متواضع في المعادلة الدولية من جهة ثانية!

ومع ذلك يبقى ثمة من يطالبنا بالتعامل الإيجابي مع ما يسمى بمبادرات السلام مرة أخرى، وكأننا لم نسمع القول المأثور: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»!

ونحن من جانبنا نقول لهؤلاء الطيبين منهم أو «الخبثاء» لا سمح الله: اللعبة انتهت يا إخواننا، ولم يبق إلا أن نحتفل عالميا بنهاية الأحلام الإمبراطورية، وصدقوني بأنه ليس أمام الرئيس الأميركي المنتخب إلا أن يسدل الستار على الحلم الإمبراطوري الأميركي الذي سوق له المحافظون الجدد طويلا، وسيذعن عاجلا أم آجلا إلى تغيير تعامله مع الآخرين عملا بحكم موازين القوى، لأن لعبة القمار وصلت إلى نهاياتها، بعد أن صعدت القلوب إلى الحناجر في كل أنحاء الدنيا من فعل «الصديقة» أو «الوسيطة» أميركا!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني