ثمة ملاحظات مهمة أفرزتها تداعيات العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة، ويجب ألا تمر مرور الكرام، بل يجب أن تخضع لدراسة عميقة تكون أساساً لبناء اجتماعي سياسي متكامل وجديد لمستقبل البلاد.

Ad

فزيادة الخمسين ديناراً وقانون صندوق المعسرين، وإن كانتا من بين الكثير من القضايا والموضوعات القادمة التي تحمل بين طياتها خلافاً عميقاً وتبايناً حاداً في الثقافة المجتمعية والفكر السياسي والطبقية الاجتماعية، فإنها ليست حلبة للمصارعة وصراعاً حتى العظم لكي يقيم أي طرف احتفالات الانتصار والغلبة، كما شاهدنا بعد تمرير المشاريع الحكومية في الجلسة الأخيرة، وكأن الحكومة قد كسبت معركة تاريخية.

فالحكومة لم تكسب سوى التصويت على مقترحيها بشأن الزيادة وصندوق المعسرين، وهذين المقترحين لم تكن الحكومة لتتقدم بهما لولا الضغط المتواصل والاقتراحات الكثيرة التي قدمها أعضاء مجلس الأمة على مدى خمس سنوات متواصلة وطوال ثلاثة فصول تشريعية، فلولا هذا الإصرار النيابي لم تكن الحكومة لتتقدم بأي مبادرة في هذا الصدد، ولو بعد نصف قرن.

والأكثر غرابة أن الحكومة كانت تملك رؤية خاصة بشأن معالجة مثل هذه المشاكل من قبيل الغلاء المعيشي وضغط القروض على المواطنين بدليل أنها تقدمت بمشاريع قوانين كاملة خلال 48 ساعة فقط ومررتها خلال أسبوع، وهنا السؤال الصعب لماذا تأخرت الحكومة هذه المدة كلها حتى تصل تلك المشاكل إلى حافة التأزيم بين السلطتين، وتنتظر اللحظات الأخيرة لتلعب في الوقت الضائع، بل إنها اختارت مسار التأزيم بالفعل، فأقدمت على حل مجلس الأمة لمنع هذه القوانين النيابية من المرور بسلام في الفصلين التشريعيين السابقين؟!

والملاحظة الأخرى، التي تعكس عناد الحكومة، تتمثل في تحالفها مع الأقلية البرلمانية وليس الأغلبية لتمرير القوانين التي سمتها هي بالشعبية والمدغدغة لمشاعر الناس، أليس القوانين التي تم إقرارها أخيراً تكلف الخزينة العامة نحو ثلاثة أرباع مليار دينار؟ ولماذا لا يفسر إقرارها دغدغة شعبية الآن؟! فالحكومة وبعد أشكال الضغط كلها، و«تحمير العين»، والتهديد بالحل السريع للبرلمان لم تستطع تجنيد سوى واحد وعشرين في مقابل تسعة وعشرين نائباً معارضاً لإقرار قانون صندوق المعسرين، وفي تمرير قانون زيادة الخمسين ديناراً حصلت على تأييد 17 صوتاً انتخابياً مقابل 30 صوتاً كانت ترى صرف هذه الزيادة لجميع المواطنين! أما الملاحظة الأخرى وبحسب الاعتراف الحكومي، فإن 75% من المواطنين تقل رواتبهم عن الألف دينار وبذلك استحقوا الخمسين ديناراً، وهذا بحد ذاته دليل قاطع على حجم الطبقة الفقيرة في مجتمع يعد من أثرى دول العالم، بل ان ما يدعو الى القلق الأكبر هو أن 10% فقط من المقترضين سوف يستفيدون من صندوق المعسرين لتبقى الأغلبية العظمى من المواطنين أسيرة الديون على مدى عقدين من الزمن على الأقل، وسوف تجفف عنهم أنواع القروض الجديدة كلها حتى سداد مديونيتهم الحالية.

لهذا، فإن الخلاف ليس على دغدغة المشاعر بقدر ما هو صراع بدأ يستعر أكثر فأكثر بين إبقاء طبقة متوسطة عريضة يعوّل عليها ثقافياً واقتصادياً وسياسياً لتحديد معالم مستقبل الكويت في مقابل مساعي حثيثة لزيادة الفجوة بين الأقلية النخبوية والسواد الأعظم من الشعب الذي يسعى لكي يعيش يومه في ظل اقتصادات الرخاء التي لم يعد لها مثيل في العالم في ظل أسعار النفط الحالية.

والأمر لا يحتاج إلى كثير من العناء لتشخيص هذا الواقع حتى ندرك أن سياسة المحاصصة الوزارية لم تنجح في أن يؤثر الوزراء على النواب المنتمين إلى طوائفهم وقبائلهم، بل حتى تياراتهم السياسية، في مواجهة ما يعرف بالقضايا الشعبية، فالقضية أبعد من هذه الرؤية السطحية وتحتاج إلى أفق أوسع بكثير لفهم الواقع الكويتي حالياً، فما بالك ببناء مستقبلي جديد!