جاءت غلطة العدوان الجورجي على أوسيتيا الجنوبية بمنزلة، «القشة التي قصمت ظهر البعير»، وهكذا انكشف الغطاء وأصبح الإمبراطوريون الجدد مكشوفين في العراء بعد أن كانوا ملتحفين بغطاء الأصدقاء!

Ad

ليس مهماً أن يكون الروس صادقين مع العرب وملتزمين بقضاياهم أو متضامنين مع الإيرانيين مساندين لهم في ملفهم النووي أم لا، بقدر ما هو مهم للعرب والإيرانيين أن يدركوا أن عالم ما قبل جورجيا ليس هو عالم ما بعده!

ومرة أخرى ليس المهم في ما حصل حول جورجيا قصة جورجيا نفسها مع الأميركيين أولا ومع الروس ثانيا، فالقصة في مكان آخر والعبرة لمن يقرأ الأحداث مبكرا ويقرأها بشكل حسن!

فما حصل في جورجيا كما يقرأه البعض هنا من المتتبعين مبكراً لحروب الطاقة ومعارك السيطرة على الموارد، هو آخر ما في جعبة المحافظين الجدد من محاولات السيطرة الإمبراطورية على العالم بطريقة الحكم الأحادي للعالم، والتي يبدو أنها فشلت على صخرة عقيدة بوتين-ميدفيديف الجديدة للسياسة الخارجية الروسية القائلة في أهم مبادئها إن زمن حكم العالم بالأحادية القطبية قد ولى، والتي نراها كيف تترسخ اليوم على خلفية مبادئ منظمة شنغهاي للتعاون بالشراكة مع الصين!

يوم انفصل العالم الأوراسيوي الجديد عن الاتحاد السوفييتي السابق، حيث يشهد جزء مهم منه وهو القوقاز آخر حروب المحافظين الجدد قبل مغادرتهم المسرح الدولي نهائيا بعد عدة أشهر، حاول الإمبراطوريون الجدد في واشنطن وقتها الانقضاض سريعا على مجموعة ما سمي بالدول الآسيوية والقوقازية منها الحديثة الاستقلال عبر الإغراءات الكبرى والمتنوعة، لتسويق ثرواتها عبر خطوط متعددة ليس فقط لفصلها نهائيا عن المركز القديم أي روسيا، بل لربط مصالحها نهائيا بالغرب، والأهم للسيطرة على ثرواتها الهائلة من خلال الشركات المتعددة الجنسية الشهيرة!

لقد دخلوا بقوة إلى جمهورية أذربيجان الحديثة الاستقلال ولا يزالون فيها عبر قنوات تجارية متعددة، منها الإسرائيلية ومنها التركية ومنها اللبنانية-السعودية الخاصة المتعاونة مع مجموعات ديك تشيني النفطية وغير النفطية العملاقة وكذلك فعلوا في تركمنستان التي سموها بكويت الخزر نسبة إلى بحر الخزر أو بحر قزوين أو بحر مازندران،حسب التسميات المختلفة للدول الخمس المطلة عليه والتي أهمها إيران وروسيا!

ومن بين مغامراتهم الأولى محاولة إغراء الفصائل الجهادية الأفغانية التي كانت تتنازع السيطرة على العاصمة الأفغانية كابول بالمال وبالعقود والتعهدات لأجل تأمين طريق آمن لنقل الطاقة الحديثة التحرر من سيطرة الروس إلى المياه الخليجية الدافئة جنوبا، ووقتها لم يبق أحد إلا دفعوا له أو أغروه بالدفع لاحقا من الجنرال شاه مسعود الذي لقب بأسد بانشير وقتها، إلى «طالبان» الذين كانوا قد ظهروا على الساحة لتوهم، وكانت واجهة التعاملات شركة أوكسيدنتال المتعددة الجنسية المعروفة التي كان للقطاع السعودي الخاص دوره في المساهمة والترويج لها في حينه حتى تأخذ طريقها إلى قلوب الأفغان!

لكنهم لم يفلحوا، تماما كما لم يفلحوا مع إيران التي حاولوا الدخول اليها من باب حوار الحضارات أيام الرئيس السابق محمد خاتمي والسياح الأميركيين الذين أرسلوا خلسة إلى إيران ليتسللوا إلى منابع الطاقة من الباب الخلفي عبر إغراءات خطي باكو -بندر عباس وعشق آباد- تشابهار!

لم يبق أمامهم إذن إلا خط باكو-جورجيا-شيحان، وهكذا فعلوا ظنا منهم بأنهم أفلحوا في تطويق الروس وعزل إيران ولجم الصين والهند وإغراء تركيا من خلال جرها إلى مزيد من التعاون بعيدا عن ضرورات وبروتوكولات حسن الجوار، وأقدار الحيز الحيوي الذي تسبح فيه!

لكن لما كانت «غلطة الشاطر بألف»، كما يقول المثل، ولما كان، الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم، كما يقول الحديث الشريف، فقد جاءت غلطة العدوان الجورجي على أوسيتيا الجنوبية بمنزلة، القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول المثل العربي الشهير، وهكذا انكشف الغطاء وأصبح الإمبراطوريون الجدد مكشوفين في العراء بعد أن كانوا ملتحفين بغطاء الأصدقاء!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني