إقالة البشير لخاطر السلف

نشر في 02-10-2008
آخر تحديث 02-10-2008 | 00:00
 أحمد عيسى يمر على أبناء الشهيد هذا العيد وكأنه أي يوم عادي... يبيتون والدمعة على وجوههم والقهر في صدورهم، ويستمر وضعهم هذا بالرغم من العديد من المقالات والمناشدات التي كتبت للجهات المعنية لحل هذه المشكلة.

أتت إقالة أمين عام المركز العالمي لنشر الوسطية الدكتور عصام البشير من منصبه على يد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حسين الحريتي، لتؤكد أننا أمام حالة جديدة من التعاطي السياسي، قوامها التضحية بالرؤوس الأقل كلفة في سبيل الحصول على مكتسبات، وسط صراع الدين المسيّس بين تنظيمي السلف والإخوان المسلمين.

فلوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قيمة معنوية عالية لدى التيارات الدينية، كونها تمتلك مقومات تعزيز النفوذ السياسي، من خلال إشرافها على عمل الخطباء في المساجد والمراكز الدينية، وتحديدها أي تيار يسيطر على المنابر، ومنها يتغلغل داخل المجتمع عبر المساجد.

ومنذ بداية صراع تنظيمي الإخوان المسلمين والسلف على مراكز النفوذ في الكويت في ثلث الثمانينيات الأول، اتفق الفريقان بمراضاة حكومية على توزيع المناصب داخل هذه الوزارة وفقا لنظام الكوتا، حفاظا على موازين القوى، فإذا تولى مسؤولية الوزارة سلفي، آل منصب الوكيل إلى التيار الآخر، وإذا كان الوكيل من الإخوان، تولى مسؤولية القطاعين الإداري والمالي أحد كوادر السلف، وهكذا دواليك.

مشكلة الدكتور البشير أن رأسه كان الأرخص بحسبة الوزير، فضحى به في حرب الإخوان والسلف، التي تدور رحاها في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إذ تزايدت الضغوط السلفية على الوزير الحريتي، فقرر الخضوع لها، كون الرجل غير كويتي، ولا تقف خلفه قبيلة أو عائلة مؤثرة انتخابيا، ناهيك عن حضور السلف الطاغي بحسب نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، إلا أن الذريعة كانت بجنسيته ورواتبه، ووجود تجاوزات في إدارته للمركز، وتم الاستشهاد بتقرير ديوان المحاسبة الذي تعلق باستجواب السلف للوزير الأسبق عبد الله المعتوق. وللعلم فإن المركز العالمي لنشر الوسطية الذي تولى البشير أمانته العامة، هو جهاز تنفيذي بحت، يتبع اللجنة العليا لتعزيز الوسطية، ويرأسها وزير الأوقاف وينوبه وكيل الوزارة، ويضم في عضويته ممثلي وزارات الشؤون والداخلية والتربية والإعلام، وبالتالي فإن الحديث عن تجاوزات مالية أو إدارية، يجب أن يدعمه حكم قضائي نهائي، والتحقيق في ذلك أو المعاقبة، يجب أن يطول أصحاب القرار أيضا، وليس القائمين على تنفيذه فقط، أما الرواتب فهي مقررة من مجلسي الوزراء والخدمة المدنية.

السلف مؤمنون بأن مركز الوسطية استُخدم كأداة لتحسين صورة «الإخوان» كتيار سياسي ديني معتدل أمام العالم، وأن جانبا من أنشطة المركز أدى إلى تخفيف القيود الدولية عليهم، مقابل زيادتها على السلف، ولهذا قرروا السيطرة عليه، لتحسين صورتهم أمام العالم، خصوصا بعد مشروع الولايات المتحدة الأميركية لضم جمعية إحياء التراث إلى قائمة المنظمات الإرهابية في العالم.

الدكتور عصام الدين أحمد البشير، عالم دين جليل، وله موقف مشرف من الكويت خلال فترة الاحتلال، أُوقف بسببه عن الخطابة، وعزل عن وظيفته، وشارك في ندوات طالبت بإعادة الحق الكويتي، وهو وزير أوقاف سابق وعضو بالبرلمان السوداني لمدة أربعة عشر عاما، وأيضا أحد قادة تنظيم الإخوان المسلمين العالمي، وبالتالي فنحن نقف أمام رجل دين وسياسي من الطراز الأول، لكنه راح ضحية صراع أكبر منه، رغم اختلافي معه على طول الخط السياسي والأيديولوجي. إن إقالة الدكتور عصام البشير بهذه الطريقة ثم منعه من الخطابة، أراها مشينة بحق من اتخذ القرار أكثر منها صاحب العلاقة، إلا أنها كشفت أننا أمام حالة سياسية جديدة، قوامها التضحية بأرخص الرؤوس ثمنا في الصفقات السياسية، وعدم محاسبة المسؤولين الفعليين عن التجاوزات، مراضاة لفريق على حساب آخر، وهو ما لا يستقيم مع الخلط بين أداء الوظيفة العامة وخوض الانتخابات النيابية.

back to top