إنّها من دون أدنى شكّ أول انتخاباتٍ تثير هذا القدر من الجلبة منذ السباق التاريخي المحموم بين جون ف. كينيدي وريتشارد نيكسون في العام 1960.
فمنذ كينيدي لم يكتب لأية انتخاباتٍ شرف إشعال هذا القدر من الحماسة لدى الأميركيين، إن لم نقل لدى قادة العالم أجمع، الذين سارع بعضهم الى إظهار تفاؤله بكسر جليد علاقاته مع بلاد العم سام، في حال فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما.وشكّل إقبال الشباب المنقطع النظير على اقتراع هذه السنة ثقلاً كفيلاً بميل كفة المرشح الديمقراطي على حساب خصمه الجمهوري. فقد تقاطر أكثر من 130 مليون ناخب الى صناديق الاقتراع من كافة أنحاء الولايات الأميركية لحسم معركة الرئاسة، وهو أعلى رقم تسجله الولايات المتحدة في تاريخ انتخاباتها الرئاسية.وفيما راهن ماكين على حظوظه القوية بالفوز متهماً الاعلام بالتضليل والمبالغة في تقدير مدى اتساع الهوة التي تفصله عن خصمه سيناتور ايلينوي، أعطت استطلاعات الرأي والنتائج الأولية لصناديق اقتراع بعض الولايات الصدارة للمرشح الديمقراطي. وفي ما خلا حادثة وفاة جدته قبل يوم من بدء العدّ العكسي لحسم هوية سيد البيت الأبيض الجديد، ما زالت سماء الولايات المتحدة، وفق بعض المحللين، تبتسم لسيناتور إيلينوي، فمعظم الذين أدلوا بأصواتهم أعلنوا جهاراً فور خروجهم من مراكز الاقتراع أنّ الاقتصاد تصدّر سلّم أولوياتهم، وأنّهم صوّتوا للتخلّص من نهجٍ أورث الأميركيين ما يكفي من الحقد العالمي المتعاظم، والتوترات الدولية المتفاقمة، وأبشع الانهيارات الاقتصادية المُنذرة بأيامٍ حالكة.ولمجرّد أنّهم ظفروا، وفق استطلاعات الرأي والتحليلات، بولاياتٍ كانت بالأمس القريب محظياتٍ جمهورية، على غرار آيوا ونيو مكسيكو وانديانا وجورجيا ومونتانا ونورث داكوتا، بدا الديمقراطيون واثقين من أنّ الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة سينبثق من صفوفهم. وهم متفائلون إلى أقصى الحدود ويتطلّعون الى فوزٍ ساحق لم يكتب لأي ديمقراطيّ تحقيقه منذ الفوز الذي سجله جيمي كارتر عام 1976، لا بل يأملون في اكتساح مجلس الشيوخ بأغلبية 60 مقعداً تسمح لهم بالتغلّب على أيّة عقبات قد تعترض تشريعاتهم.في الجانب الجمهوري عوّل مؤيدو محارب فيتنام على الولايات المتأرجحة وعلى تحقيق مفاجأةٍ فيها تقلب الأمور رأساً على عقب في اللحظات الأخيرة مُنصّبةً المرشح السبعيني على عرش البيت الابيض. "أنا عازم على المضي قدماً في معركتي"، قال ماكين مخاطباً جمهوره في جولاته المكوكية المكثفة التي قادته في اليوم الأخير من السباق المحموم الى 7 ولايات متباعدة جغرافياً، فيما تنعّم خصمه سيناتور إيلينوي بنعمة بذل مجهودٍ لا يُذكر بزيارته 3 ولايات فقط، فبدا بهدوئه المفرط وتنقلاته الشحيحة أكثر ثقةً بفوزه بالرئاسة."أنا أميركي، وأختار ألا ألقي سلاحي أرضاً أبداً. أدعوكم الى أن تحاربوا من أجل أميركا. أميركا تستحق أن نحارب عنها" صاح ماكين بنبرةٍ الجنديّ المتأهب لجولته الاخيرة، فيما أبقى أوباما على نبرته الهادئة الداعية الى "التغيير"، وبين هذا وذاك صوّت الأميركيون للروح النضالية المتأصلة الجذور من جهة وصوتوا للتغيير الهادئ اليانع الجذور من جهة اخرى. وإلى أن تعلن النتائج النهائية رسمياً ثمة واقع واحد لا لبس فيه: ما حدث لباراك أوباما، في حال تأكد ظفره بالرئاسة، ما كان ليحصل له إلا في الولايات المتحدة الاميركية!
دوليات
أميركا اختارت رئيسها
05-11-2008