قرار تحرير «جمعية الثقافة الاجتماعية» جاء بإرادة سياسية عليا مثلما كان تجميده قبل عشرين سنة، وليس لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أي فضل محوري في هذا الشأن، فهي ووزيرها عبد المأمور لا يتعدى دورهما تفعيل الإجراءات الإدارية وتكييف القرار السياسي على أرض الواقع، والأمر برمته يجب أن ينظر إليه من زاوية تصحيح وضع خاطئ استمر على مدى عقود من الزمن في إطار استحقاقات سياسية جديدة تعكس مؤشرات الرضا تجاه التيارات السياسية في الكويت في بعض جوانبها.

Ad

ولكن يبقى مثل هذا القرار، ومهما كانت دوافعه، محل تقدير وارتياح ومكسباً للديمقراطية الكويتية ودليلاً على أن مبادئ الحريات العامة، ومنها جمعيات النفع العام، لا يمكن مقاومتها أو خنقها إلى الأبد، ولابد أنها تنتصر في النهاية مهما طال الزمن.

ومن هذا المنطلق، فإن المطالبة بعودة «نادي الاستقلال» تعتبر حقاً مشروعاً لا تقتضيه الأصول الدستورية أو ضرورات العمل الديمقراطي فحسب، بل تفرضه مبادئ العدالة السياسية ومنطق المساواة بين التيارات الفكرية العاملة في الساحة المحلية لخلق التوازن بين أشكال الرؤى والأطروحات السياسية والمجتمعية المختلفة وإتاحة المجال للرأي العام للمفاضلة والاختيار من بينها بحرية، ضماناً لحفظ واستمرار النضج السياسي وفق مبدأ تكافؤ الفرص. ولهذا، فإن تصريحات وزير الشؤون إزاء مطالب عودة «نادي الاستقلال» تظل بدورها تحصيل حاصل ولا يملك الرجل القرار في هذا الملف، وبالتأكيد سينتظر الأوامر العليا التي يؤمل أن تكون قريباً.

فالكل يعلم بأن «نادي الاستقلال» و«جمعية الثقافة» ليسا سوى الذراع الميداني لتيارات سياسية كبقية التيارات الأخرى، خصوصا جمعية «إحياء التراث» وجمعية «الإصلاح الاجتماعي»، التي تمارس العمل السياسي تحت مظلة جمعيات النفع العام، بسبب حظر الأحزاب السياسية بصورة رسمية، وتشكل هذه التنظيمات الأربعة نواة القوى السياسية الوطنية ذات القواعد الشعبية العريضة، وكان التعامل معها يتم وفق حالات المد والجزر السياسية وسعي الحكومة للعب على تناقضاتها والدخول في تحالفات استراتيجية أو تكتيكية معها منذ انطلاقة الحياة الدستورية في بداية الستينيات.

وكان قرار الحكومة بتصفية «نادي الاستقلال» في ظل الحل غير الدستوري الأول في السبعينيات وتجميد «جمعية الثقافة» في ظل الانقلاب الثاني على الدستور في الثمانينيات، عقوبة قاسية لهذين التيارين كثمن لمواقفهما السياسية، في مقابل تقريب جمعيات السلف والإخوان، وهذا ما أدى إلى خلق هوة كبيرة بين هذه الجمعيات الأربع، خصوصا فيما يتعلق بتحقيق النفوذ السياسي والسيطرة على مراكز القرار في الجهاز الإداري للدولة والنجاح في خلق إمبراطوريات اقتصادية ومالية والانتشار الاجتماعي، فتغيرت معها الخارطة السياسية بصورة جذرية، ولعل الحكومة بدأت في استشعار ذلك أخيراً، ولهذا بات التفكير في إعادة التوازن بين هذه الجمعيات ضرورة ملحة لمستقبل الحياة السياسية في الكويت .

وإذا كان ذلك هو المنظور الحكومي الجديد، فإنه قرار في الاتجاه الصحيح ولكن بصورة جزئية أيضا، فهذه التيارات السياسية ورغم خبرتها الطويلة وامتدادها الجماهيري تظل مدارس سياسية تقليدية أدت دورها في مراحل مهمة في العهد الدستوري، ولكن لم تستوعب بعد الشريحة الأكبر من الأغلبية الصامتة، خصوصا بين صفوف الشباب بطموحاتهم الجديدة وفكرهم المتغير يومياً وأولوياتهم المعاصرة، الأمر الذي يتطلب المزيد من الانفتاح والمرونة في تأسيس جمعيات سياسية جديدة تكفل لها العدالة الدستورية أسوة بالمخضرمين من جهة وتخلق حراكاً سياسياً باعثاً على التحدي والمنافسة من جهة أخرى، وهذا قرار آخر خارج منطقة تغطية وزير الشؤون أيضاً!