ثقافة قبول الآخر: القضية العسيرة

نشر في 27-04-2009
آخر تحديث 27-04-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري تصدي المنظمات والمؤسسات الدينية للإساءات الموجهة للمسلمين، حق وواجب، ولكن حماية الأقليات الدينية والعرقية في مجتمعاتنا– أيضاً– حق وواجب... فعلى امتداد عمر هذه المنظمات، لم نر دوراً بارزاً لها سواء فيما حصل للأكراد من إبادة أو لضحايا دارفور أو للانتهاكات الحاصلة لحقوق الإنسان في العالم الإسلامي!

اختتم مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية (ديربان 2) في جنيف، أعماله، وتبنى بالإجماع البيان الختامي الذي يدين كل أشكال التمييز والعنصرية ومظاهر الكراهية على أساس الدين أو العرق أو الجنس، ويؤكد الخطوات والتوصيات العملية لمعالجة مظاهر كراهية الآخر والتعصب ومعاقبة مرتكبي أعمال العنف والتحريض، وقد شهد المؤتمر 170 دولة مع مقاطعة (8) دول قبل افتتاحه، هي إسرائيل وكندا والولايات المتحدة وإيطاليا وبولندا وهولندا وأستراليا ونيوزيلندا، كما انسحبت وفود (23) دولة آوروبية، خلال خطاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي شن هجوماً لاذعاً على إسرائيل وانتقد إنشاءها واتهم حكومتها بالعنصرية، وقال: إنه آن الأوان لكي يتم القضاء على فكرة الصهيونية التي تشكل جوهر العنصرية، وقامت بتلطيخ صورة الإنسانية في القرن الـ21.

وقد أثار خطاب نجاد وتصريحاته النارية احتجاجات واسعة واعتراضات كبيرة، جعلت الأمين العام للأمم المتحدة يتهم الرئيس الإيراني بإساءة استخدام منبر الأمم المتحدة، لأغراض سياسية، ويبدو أن نجاد أخفق في مسعاه، إذ إن خطابه أثار استياء واسعاً دفع المؤتمر إلى تبني البيان الختامي بالإجماع غداة الهجوم الذي شنه وذلك بدلاً من إحالته إلى التصويت، الأمر الذي فسره المراقبون بأنه رد فعل على تصريحات نجاد التي سممت الأجواء، فلم تتمكن الوفود العربية والإسلامية من تضمين البيان الختامي أي إشارة إلى عنصرية إسرائيل، وذلك على النقيض من مؤتمر (ديربان الأول) عام 2001م في جنوب إفريقيا حيث أدينت إسرائيل دولياً.

هذا الإخفاق، دفع بعض الكتاب العرب إلى وصف الموقف العربي والإسلامي بالضعف، وكتب المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكوا) الدكتور عبد العزيز التويجري مقالة بعنوان (الغرب وتقديس إسرائيل.. لماذا؟) تحدث فيها عن الخنوع الذليل والتقديس الأعمى لإسرائيل من قبل الدول الغربية، وتساءل: كيف يتجاهل قادة الدول الغربية جرائم إسرائيل ضد الإنسانية؟ ولماذا لا يحق للرئيس الإيراني أن يعبر عن رأيه في سياسات إسرائيل العنصرية بينما يحق للنائب الهولندي فيلدرز أن يعلن معاداته للإسلام وينتج فيلماً عنصرياً يتطاول على دين سماوي يدين به مليارا وأربعمئة مليون شخص حول العالم؟! وأجاب بأنها الموازين المختلة والكيل المطفف، ويجب التذكير هنا بأنه سبق لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة من الدول العربية والإسلامية أن قدمت مشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو كل الدول والمنظمات والشعوب إلى احترام الأديان وعدم ازدراء معتقدات الآخرين أو تحقيرها، وقد تبنته لجنة (حقوق الإنسان) التابعة للأمم المتحدة في نوفمبر الماضي بأغلبية (85) صوتاً مقابل (50) صوتاً، وكما أخفقت الوفود العربية والإسلامية في تضمين البيان الختامي للمؤتمر، أي إدانة لإسرائيل كذلك أخفقت (منظمة المؤتمر الإسلامي) في إدراج مفهوم (الإساءة للأديان) باعتباره فعلاً (عنصرياً) يستوجب حظره دولياً، ضمن هذا البيان، وذلك بسبب معارضة الغرب.

وقال خبراء في مجال حقوق الإنسان (فيما يجادل البعض بإمكان مساواة «الإساءة إلى الأديان» بـ«العنصرية» نود التحذير من الخلط بين بيان عنصري وفعل للإساءة إلى الأديان، ثمة عدة أمثلة لاضطهاد الأقليات الدينية أو المعارضين، لكن أيضاً الملحدين وغير الموحدين نتيجة لقوانين حول الإساءات الدينية).

ما أود الوصول إليه، بعد هذا العرض لجهود الدول العربية والإسلامية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والإيسيسكو على الصعيد الدولي في حماية حقوق الأقليات الإسلامية في العالم وفي تجريم كل أشكال الكراهية ضدها، وفي تأكيد عنصرية إسرائيل وإدانة جرائمها، أن كل هذه الجهود مقدرة، وكل المواثيق وقواعد القانون الدولي في صفها، ولكن هناك تساؤلات قلقة وملحة يجب طرحها على أنفسنا كمثقفين وكمعنيين بحقوق الإنسان وكمؤسسات تعنى بالتوجيه والتثقيف وإنتاج الفكر والمعرفة وكمنابر دينية وتعليمية وإعلامية: أين جهودنا في مناهضة العنصرية وثقافة الكراهية والتمييز ضد أقليات دينية في مجتمعاتنا، وهي أقليات مواطنة؟! وأين إداناتنا وروفضنا لمظاهر الكراهية تجاه أصحاب معتقدات مخالفة لمعتقداتنا الإسلامية؟! وما جهود منظمة المؤتمر الإسلامي في التصدي للإساءات الموجهة للطوائف الدينية المواطنة في العالم الإسلامي؟ وأين مساعي (الإيسيسكو) في مواجهة محنة الأقليات الدينية والعرقية في بلادنا؟! تصدي هذه المنظمات والمؤسسات الدينية للإساءات الموجهة للمسلمين، حق وواجب ولكن حماية الأقليات الدينية والعرقية في مجتمعاتنا– أيضاً– حق وواجب، لضمان مصداقيتها ودعم رسالتها دولياً، ولكننا وعلى امتداد عمر هذه المنظمات والمؤسسات، لم نر دوراً بارزاً لها سواء فيما حصل للأكراد من إبادة أو لضحايا دارفور أو للانتهاكات الحاصلة لحقوق الإنسان في العالم الإسلامي!!

ومطالبة هذه المنظمات بإدانة إسرائيل على جرائمها، حق ولكن ما دورها في التصدي للاعتداءات الواقعة على الأقليات التاريخية في العراق واليمن مما اضطرتها للهجرة وترك الأوطان؟ من كان يصدق أن يحصل ما حصل للبهائيين في مصر؟ إنها مأساة مروعة! قبل عدة أسابيع قام بعض أهالي قرية في الصعيد بحرق بيوت خمس من الأسر عدد أفرادها 31 شخصاً، فيهم أطفال رضع ومسنون، لأنهم (بهائيون) وشارك واحد منهم في احتفال عيد (النيروز) وأذاع اسم القرية عبر قناة (دريم)، وإذا كانت رحمة الله قد تداركتهم ونجوا من الموت بأعجوبة، والقضية أصبحت بيد القضاء، لكن أن يحصل هذا في مصر العريقة في الثقافة والاستنارة، بلد الأزهر الشريف المعروف بالتسامح الديني، فهذا أمر يستدعي استنفاراً عاماً لكل المؤسسات التوجيهية والثقافية والإعلامية، الجناه الذين تجاوزوا حقوق الجوار والمواطنة مضللون، ولكن ما تفسير موقف بعض الكتاب الذين برروا الجريمة بكون البهائيين (مرتدين) و(عملاء)؟! وهل جعلهم المولى وكلاء على معتقدات الآخرين، وهو القائل لرسوله «وما أرسلناك عليهم وكيلا»؟!

البهائيون لم يدعوا إسلاماً حتى نصفهم بالمرتدين وتعميم (العمالة) ظلم عظيم، وإثباتها موكول بالقضاء وحده، ثم ألا يستحق البهائيون ومن منطلق إنساني بحت، حق الأمن والحياة، دع عنك كونهم مواطنين كفل الدستور معتقداتهم؟! القضية العسيرة، ليست في معاقبة الجناة ولا في تشديد التشريعات ولا حتى في تبريرات هؤلاء الكتاب، القضية الأساسية العسيرة، هي في السعي لتغيير الثقافة المجتمعية وفي العمل على تهيئة مجتمعاتنا لثقافة قبول الآخر المخالف مذهباً أو ديناً أو معتقداً أو جنساً أو عرقاً، فالوقاية خير من العلاج، وهذا هو مكمن القصور الأساسي في جهود كل المنظمات الإسلامية الإقليمية، وهذا هو مصدر الإخفاق في دور المؤسسات الثقافية والاعلامية والدينية على امتداد الساحة الإسلامية، فهل ننجح في التصدي لهذه القضية العسيرة؟!

* كاتب قطري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top