تغير المناخ والمتصنعون

نشر في 21-04-2009
آخر تحديث 21-04-2009 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت يتعين علينا أن نتقبل حقيقة مفادها أن القدر الأعظم من الفحم الرخيص المتاح في العالم سيُـحرَق في المستقبل- ولكن ينبغي لنا أن نركز على تقنيات حبس ثاني أكسيد الكربون. بموجب الاتفاقيات التي أعلنتها إدارة أوباما فإن الولايات المتحدة تعمل مع الصين وكندا الآن في تنفيذ مشاريع خاصة بتنمية وتطوير هذه التكنولوجيا

من بين أغرب أحداث الحوار الدائر بشأن تغير المناخ ذلك المشهد الذي جمع في وقت سابق من هذا الشهر بين عالم المناخ جيم هانسن من وكالة «ناسا» للفضاء وممثلة هوليود داريل هانا وهما يسيران جنباً إلى جنب خارج محطة توليد الطاقة العاملة بالفحم والتي تخدم مبنى الكونغرس الأميركي في العاصمة واشنطن.

وَعَد هانسن بالاستمرار حتى النهاية فيما أطلق عليه أضخم مظاهرة احتجاج على مستوى العالم ضد تغير المناخ. ولكن بدلاً من ذلك هَـبَّت أسوأ عاصفة ثلجية منذ ثلاثة أعوام فتفرقت الحشود، وعجز الضيوف البارزين عن الوصول، وتعرقلت محاولات استخدام الألواح الشمسية لإضاءة لافتة الاحتجاج الضخمة. وتذكر التقارير أن أفراد الشرطة أعلنوا على الجماهير الحاضرة أنهم لا يرغبون في إلقاء القبض على كل من لا يرغب في إلقاء القبض عليه، وبالطبع لم يُـقبَض على أحد.

بيد أن كل هذا لم يمنع المحتجين من الإعلان عن نجاح الحدث. «النصر: هذا هو السبيل إلى وقف الاحتباس الحراري العالمي»، هكذا أعلن موقع «الكابيتول للعمل المناخي» (Capitol Climate Action) على شبكة الإنترنت. والحقيقة أن المتحدث باسم مجلس النواب الأميركي، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وجها الدعوة إلى المهندس المسؤول عن مبنى الكونغرس بالتوقف عن استخدام الفحم لتشغيل محطة الطاقة التابعة للكونغرس (ولو أن ذلك لم يحدث إلا قبل أيام من مظاهرة الاحتجاج). ولكن إذا كان وقف الاحتباس الحراري العالمي بهذه السهولة، فسأكون- أنا وكل معارفي- أول من يسارع إلى تجهيز اللافتات للجولة التالية من الاحتجاج.

إن هانسن يطلق على محطات توليد الطاقة باستخدام الفحم «مصانع الموت»، والحقيقة أن الاعتقاد بأن الفحم وسيلة سيئة للغاية لتوليد الطاقة أمر منتشر على نطاق واسع. ولكن من الواضح أيضاً أنه اعتقاد خاطئ. فإذا ما امتنعنا غداً عن استخدام الفحم تماماً، فسنكتشف أنه مايزال يشكل مصدراً حيوياً للحياة. إن الفحم يستخدم لتوليد ما يقرب من نصف احتياجات كوكب الأرض من الطاقة الكهربية، بما في ذلك نصف الطاقة المستهلكة في الولايات المتحدة. فالفحم يعمل على تزويد المستشفيات ومرافق البنية الأساسية بالطاقة اللازمة لتشغيلها، ويزودنا بالدفء والإضاءة في فصل الشتاء، ويتيح لنا تشغيل تقنيات تكييف الهواء المنقذة للحياة في فصل الصيف. وفي الصين والهند، حيث يستخدم الفحم لتوليد ما يقرب من 80% من الطاقة، فقد ساعد في انتشال مئات الملايين من البشر من براثن الفقر.

ليس من العجيب إذن أن يصف وزير الطاقة في الولايات المتحدة ستيفن تشو الفحم بأنه «مصدر طبيعي عظيم»، رغم أنه منذ عامين فقط كان يصف التوسع في إنشاء محطات الطاقة العاملة بالفحم بأنه «أسوأ كوابيسه».

إن السؤال الجوهري هنا هو كالتالي: ماذا قد يحل محل الفحم إذا ما توقفنا عن استخدامه؟ إذا ما حكمنا على الأمر من خلال هتافات المحتجين في واشنطن «لا للفحم، ولا للغاز، ولا للقنابل النووية، ولا للهراء، ولا للوقود الحيوي»، فإننا بهذا نستبعد العديد من البدائل المعقولة.

لا شك أن استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أمر مقبول، ولكن هذين المصدرين لا يمكن الاعتماد عليهما كما يُـعتَمَد على الفحم. إن حوالي 0.5% فقط من طاقة العالم تأتي من مثل هذه المصادر المتجددة. وحتى مع الافتراضات المتفائلة فإن تقديرات الهيئة الدولية للطاقة تؤكد أن نصيب هذه المصادر المتجددة سوف يرتفع إلى 2.8% بحلول عام 2030.

من بين الأسباب وراء ذلك أننا لا نعرف كيف نخزن الطاقة من هذه المصادر: فحين لا تهب الرياح ولا تشرق الشمس فكيف سيتسنى لك أن تشغل حاسبك الآلي أو غرفة العمليات في مستشفى؟

فضلاً عن ذلك فإن مصادر الطاقة المتجددة مازالت مكلفة للغاية. أخيراً، زعم نائب رئيس الولايات المتحدة الأسبق آل غور والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن الوظائف التي تتيحها صناعة طاقة الرياح الآن أكثر من كل الوظائف المتاحة في صناعة طاقة الفحم. بصرف النظر عن عدم دقة الأرقام فهي مازالت تشكل حجة ضدهما وليس لمصلحتهما. إن الولايات المتحدة تحصل على 50% من احتياجاتها من الطاقة الكهربية من الفحم، ولكن الرياح توفر لها 0.5% فقط من احتياجاتها. وإذا كان تشغيل طاقة الرياح يتطلب قوة العمل نفسها اللازمة لتشغيل طاقة الفحم فلا شك أن إنتاج الطاقة من الرياح أمر مكلف إلى حد لم يسبق له مثيل في التاريخ.

إن ما يعادل أكثر من 60 مليون برميل من النفط يستهلك من الفحم في كل يوم، ولا يوجد له بديل آخر «رحيم بالبيئة». ذلك أن المتاح من الفحم وفير بحيث يكفي احتياجات العالم من الطاقة لقرون عدة من الزمان. ويتعين علينا أن نتقبل حقيقة مفادها أن القدر الأعظم من الفحم الرخيص المتاح في العالم سيُـحرَق في المستقبل- ولكن ينبغي لنا أن نركز على تقنيات حبس ثاني أكسيد الكربون. بموجب الاتفاقيات التي أعلنتها إدارة أوباما فإن الولايات المتحدة تعمل مع الصين وكندا الآن في تنفيذ مشاريع خاصة بتنمية وتطوير هذه التكنولوجيا.

إن آخر معاقل الوقود الأحفوري ستسقط حين نتمكن من توفير البدائل الرخيصة، خصوصاً في البلدان النامية. وقد يكون ذلك اليوم أكثر قرباً إذا ما أنفقت الحكومات المزيد من الأموال على أبحاث الطاقة المنتجة لكميات ضئيلة من الكربون، والتي تعاني نقصاً شديداً في التمويل. يتعين على كل دولة أن تلتزم بإنفاق 0.05% من ناتجها المحلي الإجمالي في استكشاف تقنيات الطاقة غير المنتجة للكربون. وهذا سيكلف العالم حوالي 25 مليار دولار أميركي سنوياً- مما يعني زيادة مقدارها عشرة أضعاف في التمويل العالمي- ومن شأنه أن يوفر الزخم اللازم للعودة إلى الحلم الذي يتمثل في عالم يستهلك سكانه كميات منخفضة من الكربون ويتمتعون بدخول عالية.

إن الفحم يسهم بشدة في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، ولكن لا يمكن لأي قدر من استعراضات المسرح السياسي أن يغير الحقيقة الثابتة التي تؤكد أن الفحم أيضاً يعود علينا بفوائد لا نستطيع حتى الآن أن نحصل عليها باستخدام الطاقة المتجددة. إن المشاركة في الاحتجاجات مع نجوم هوليود مجرد لهو لا أكثر. ولا شك أن إعلان الانتصار الحقيقي على ظاهرة الاحتباس الحراري سيتطلب قدراً أعظم من النهج العملي والكثير من العمل.

* بيورن لومبورغ | Bjørn Lomborg ، أستاذ مساعد في كلية كوبنهاغن للتجارة، ومؤسس ومدير "مركز إجماع كوبنهاغن"، ومؤلف كتاب "البيئي المتشكك" وكتاب "اهدأ"، وهو محرر "مقدار تكلفة المشاكل العالمية بالنسبة إلى العالم؟".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top