Ad

إن كنا فعلاً نريد تطوير بلدنا وتجاوز حالة الركود الراهنة، فإن المطلوب الآن هو الاعتراف بفشل هذا النموذج الذي دفعت البلاد من جراء تبنيه ثمناً غالياً، لم يعد هناك مجال لإنكاره، والعودة إلى الالتزام بالمشروع الوطني الديمقراطي الذي بدأت الدولة الكويتية الحديثة بتبنيه منذ الاستقلال حتى الانقلاب الأول على الدستور في عام 1976.

ما من شك في أن النموذج المتبع في إدراة الدولة منذ 1976 قد فشل، والدليل هي الحال التي وصلنا إليها اليوم رغم الإمكانات الضخمة والمقومات الفريدة التي تتوافر لدينا. فها نحن نرى تعثراً في التنمية وتذبذباً في مستويات المعيشة، وتخلفاً يصيب أداء الأجهزة الحكومية في بلد صغير في حجمه وقليل في عدد سكانه وتتوافر له ثروات مالية هائلة. ويكفي كمثال أن نلاحظ أن الأغلبية العظمى من مباني الأجهزة الحكومية مؤقتة (لا يوجد حرم جامعي متكامل إنما مجموعة مبان متفرقة بعضها مدارس حكومية قديمة، وكذلك الحال في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وأغلب وزارات وإدارات الدولة المختلفة)، أو نلاحظ أن المستشفيات والمدارس الحكومية قديمة جداً ولم تعد تستوعب الكثافة السكانية في المناطق التي تخدمها. ناهيك عن المعاناة المعيشية للطبقة الوسطى وفئات الدخل المحدود.

هذا النموذج الفاشل لبناء الدولة الحديثة تبنته منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً، بعد الانقلاب الأول على الدستور وتوقف بناء الدولة المدنية الديمقراطية المعاصرة، أطراف نافذة في الحكم بالتحالف مع القوى الدينية خصوصاً الإخوان المسلمين في البداية، ثم بقية القوى الدينية السنية كالسلف. والغريب أن هذه القوى الدينية- السياسية التي كانت، خلال هذه المدة كلها، تبشر بمشروعها غير الديمقراطي، الذي ثبت فشله، لاتزال تكابر في الاعتراف بأنها المسؤولة عما آلت إليه الأمور من تردٍ في الأوضاع العامة وغياب لخطط التنمية.

لذا، فإن المطلوب الآن، إن كنا فعلاً نريد تطوير بلدنا وتجاوز حالة الركود الراهنة، هو الاعتراف بفشل هذا النموذج الذي دفعت البلاد من جراء تبنيه ثمناً غالياً، لم يعد هناك مجال لإنكاره، حيث تمزق النسيج الاجتماعي للمجتمع، وبرزت بشكل ملحوظ العنصرية البغيضة والقبلية والطائفية والمناطقية والعائلية، وتراجع التعليم، وتردت الخدمات الصحية، وساءت الخدمات العامة، وتدهور الوضع الرياضي، وانخفضت كفاءة الأجهزة الإدارية الحكومية، وازدادت معدلات الجريمة وتطورت نوعياً، وارتفعت معدلات البطالة بشكل مخيف، وازداد انتشار المخدرات، وتعمق اختلال التركيبة السكانية، وارتفعت معدلات الطلاق، وبلغت أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والإنشائية حداً غير مسبوق وارتفعت بشكل جنوني أسعار السكن الخاص، واهتزت هيبة الدولة، وضعف احترام القانون وقلت سيادته. وازدادت الأزمات السياسية وارتفعت حدتها، وتم تفريغ الدستور من محتواه والتعدي على الحريات العامة والشخصية، وفرض الوصاية على الفكر وسلب حرية الاختيار حتى في نوعية تعليم الأولاد .

ثم بعد عملية الاعتراف هذه وتحميل المسؤولية السياسية للأطراف والقوى السياسية المسؤولة عن حالة تردي الأوضاع العامة التي تمر بها الدولة حالياً، يتم العودة إلى الالتزام بالمشروع الوطني الديمقراطي الذي بدأت الدولة الكويتية الحديثة بتبنيه منذ الاستقلال حتى الانقلاب الأول على الدستور في عام 1976، والذي تعلمنا كتب التاريخ كيف أصبحت الكويت أثناء العمل به (خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي) تمثل نموذجاً يحتذى به في المنطقة.

وحيث إننا مقبلون يوم السبت القادم على اتخاذ قرار مصيري يتعلق بمستقبل وطننا، فإن المسؤولية الوطنية ملقاة على عاتقنا في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ وطننا، لذا فليكن صوتنا لجميع العناصر والقوى الوطنية التي تتبنى البديل الوطني الديمقراطي الذي يهدف إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية يسود فيها القانون والعدالة الاجتماعية والحرية، وتوفر العيش الكريم للكويتيين جميعهم وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات بغض النظر عن أصولهم أو قبائلهم أو مذاهبهم أو مناطق سكنهم.