كيف نستطيع أن نحقق بيئة معافاة بالاعتماد على طاقة بديلة، ولكن ليس على حساب أزمة غلاء الأسعار؟ سؤال صعب حاولت الأمم المتحدة في الأسبوع الماضي من خلال مؤتمر روما إيجاد حل له. المؤتمر بدأ بانقسام دولي حاد، حول مدى تأثير الوقود الحيوي في الزيادة المطردة في أسعار المواد الغذائية، في جو ساده القلق من ارتفاع أسعار البترول، والخوف من التغيرات المناخية والتسونامي الصامت الذي بات يهدد 100 مليون من سكان العالم الأشد فقراً.

Ad

شخصياً ومن دافع التحدي واقتحام علوم البيئة التي لم أفقه منها شيئا في الماضي استحوذ موضوع البيئة والطاقة البديلة على اهتمامي، وأقول لمن يعتقد أن تصادم الآراء ووجهات النظر يخص نشطاء السياسة فقط فهو مخطئ، فنشطاء البيئة بدوا أكثر شراسة في روما، والنتيجة المبدئية التي توصلت إليها هي أننا مازلنا نبحث عن بدائل للطاقة، وندرس «التقنية الخضراء» ونصطدم بمعادلات تقايض الملايين من مالكي السيارات مقابل ملايين يعانون الجوع، ولا نعرف حتى اليوم هل استخدام الطاقة البديلة، وإنتاج الوقود المتجدد، وتطبيق سياسة الدعم للإيثانول، أي إنتاج الوقود من الغذاء هو سبب الارتفاع الجنوني للأسعار أم أن أزمة الأسعار سببها سياسات زراعية خاطئة؟

التباين في المواقف كان واضحاً من خلال جلسات منظمة الفاو في المؤتمر، والدول المنتجة للوقود الحيوي شهدت هجوماً لاذعاً من المنظمات الدولية، فخبراء البنك الدولي ارتفعت أصواتهم محذرين من الإيثانول المستخدم لإنتاج الوقود ومنادين بقراءة تقرير التنمية «التحذيري» لعام 2008 الذي أصدره البنك، أما بان كيمون أمين عام الأمم المتحدة فقد رمى الكرة في ملعب الدول المانحة، مطالباً إياها بدفع فاتورة الغلاء ومقدارها 200 مليار سنويا، في حين ألقى مقرر الأمم المتحدة، جان زيجلر اللوم صراحة على الاتحاد الأوروبي محملاً إياه مسؤولية إنتاج الوقود الحيوي العضوي، وطالب بتجميد الاستثمار فيه.

وعلى الطرف الآخر رأى جوردن براون رئيس الوزراء البريطاني في معالجة الجوع تحدياً أخلاقيا، وفي الوقت نفسه تهديداً للاستقرار السياسي والاقتصادي، وأنجيلا ميركل التي لم تسلم من سهام الاتهامات، فهي بحكم شغلها منصبا تنفيذيا في مؤسسة تنتج الوقود الحيوي، تصدت للاتهامات مدافعة عن إنتاج الوقود، ومنتقدة العادات الغذائية السيئة والسياسات الزراعية الخاطئة في البلدان النامية.

ولم يتوصل المؤتمرون إلا إلى بعض النقاط؛ كالتقدم في المجال الزراعي لتعم فوائده على الجميع، واستخدام منتجي المواد الغذائية للسماد الطبيعي والعضوي، وتقصير المسافة الفاصلة بين المنتج والمستهلك.

بيان مؤتمر روما ضعيف، حيث ضاع بين هرولة الصحافة نحو قضايا سياسية، وتصدر حضور نجاد وموغابي الصفحات الأولى من الصحف، وفشلت وفود 183 دولة في القضاء على الجوع، وتأمين الغذاء للجميع، وانهمك الحضور من وفود ودبلوماسيين في محاولة احتواء جدل مشتعل حول الوقود البديل.

وأخيراً انتهى مؤتمر روما من دون نتيجة تذكر، وأتمنى أن تتم إعادة تعريف معنى الدول المانحة، إذ إن الدول الخليجية وعلى الرغم من زيادة الفائض النفطي فيها فإنه لا يمكن أن ينظر إليها في القضايا البيئية كدول مانحة، وذلك لأنها مصنفة ضمن المناطق الفقيرة بيئياً وانعدام الموارد المائية فيها يجعلها في دائرة الخطر البيئي.