أعرف جيداً أن الرئيس المصري محمد حسني مبارك لا يطيق سماع اسم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ولا سياساته الموصوفة غربيا بالمتشددة، لسبب بسيط جدا هو أنني سمعت ذلك منه شخصيا، وقد كررها أكثر من مرة خلال لقائه أحد كبار المسؤولين الإيرانيين الموصوف بالمعتدل، مؤكدا في حينها بضرورة «إسكات الرجل لأنه يذكره بزمن جمال عبدالناصر المنقضي زمانه» والتعبير للرئيس مبارك.

Ad

لكن ما أضافه الرئيس مبارك قبل أيام في تصريحات ملفتة له للتلفزيون الإسرائيلي هو ذلك التأكيد المجاني من جانب رئيس أكبر دولة عربية بأن «الأجندة الإيرانية إنما هي السيطرة على المنطقة» واضعا هذا الكلام إلى جانب قضية مساعي «حزب الله» اللبناني لإيصال المساعدات اللوجستية التي من بينها السلاح إلى المقاومين في قطاع غزة، مؤكدا اتفاق وجهة نظره مع وجهة نظر مندوب المؤسسة الإسرائيلية في اتهام الحزب اللبناني بأنه يقوم بذلك لمصلحة إيران وأن الحزب إنما يريد جرنا إلى الحرب.

وعند هذه النقطة بالذات قد نفهم سر كل ذلك الضجيج الذي أحيط بقضية خلية «حزب الله» اللبناني توقيتا وشكلا ومضمونا.

فالحكم الإسلامي الإيراني الحالي وفي عهد أحمدي نجاد بالذات متهم أكثر ما هو متهم فيه من قبل القوميين الإيرانيين المتطرفين بأنه ليس سوى «لوبي عربي» داخل المجتمع والدولة الإيرانيين، عندما جعل من أولى أولوياته مساعدة الفلسطينيين في برنامجهم التحرري من أجل العودة وحق تقرير المصير.

و«حزب الله» اللبناني متهم أكثر ما هو متهم فيه من قبل جماعة لبنان أولا والانعزاليين اللبنانيين بأنه حزب عروبي تحرري يسعى إلى تقديم أقصى المساعدة والإسناد للمقاومين الفلسطينيين من أجل التحرير والعودة أكثر مما هو مناضل من أجل القضايا اللبنانية المطلبية.

فإذا كان الرئيس المصري وكل من يوافقه الرأي من المصريين معتقدين أن إيران و«حزب الله» يسعيان بجد ومثابرة من أجل إيصال المساعدات والإسناد إلى إخوانهم الفلسطينيين بأي شكل من الأشكال وإنهما لن يتخليا عن إخوانهم في الدين والإنسانية تحت كل الظروف، فهذا الاعتقاد صحيح.

أما إذا كان الجانب المصري متخوفا وقلقا من أن تفضي هذه السياسات الإيرانية واللبنانية إلى تدخل إيراني أو لبناني في الشأن الداخلي المصري كما نما إلى سمعنا من أكثر من جهة مصرية سواء بخصوص الموقف من التوريث أو من الإخوان المسلمين أو أي جماعة معارضة اخرى، فهذا الاعتقاد خاطئ تماما، إذ لا أحد في طهران أو لبنان مهتم بالوريث السياسي للرئيس محمد حسني مبارك سواء كان اسمه جمال مبارك أو أحمد فؤاد الأول أو أي ضابط أو زعيم مدني مصري.

وأما الإيرانيون واللبنانيون من جنس أحمدي نجاد أو جنس نصر الله فإن ما يقلقهم ويدفعهم للحركة والفعل بهذا الاتجاه أو ذاك ليس اسم الرئيس أو الحاكم هنا أو هناك ولا نوعه إن كان ملكيا وراثيا أو جمهوريا أبويا بقدر ما يقلقهم وضع إخوانهم الفلسطينيين الذين هم أمانة شرعية في أعناق كل مسلم أو مسيحي متدين حر شريف في هذا العالم العربي والإسلامي الممتد من طنجة إلى جاكارتا.

وفي هذا السياق فقد كان أكثر ما أقلقنا في الأيام الأخيرة من أخبار مصر التي نعشقها ونعشق أهلها هما ذانك الخبران المحزنان اللذان أعلنتهما السلطات المصرية:

الأول والقاضي بإحراق نحو 200 طن من الدقيق والأرز من المساعدات الأخوية التي تبرع بها إخواننا العرب، والتي تركت لأشهر عديدة في المخازن السلطوية في العريش لتفسد، ومن ثم لتذهب إلى النفايات بدل أن تصل إلى إخوانهم المحاصرين في غزة هاشم الأبية.

والثاني والقاضي بتخصيص 50 مليون دولار من أموال المنحة التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر من أجل مراقبة الحدود الفلسطينية المصرية ومنع تهريب البضائع بكل أشكالها والقضاء على أي أنفاق.

فهل بعد ذلك يصبح معقولا يا فخامة الرئيس أن تطلب من سماحة الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني السيد حسن نصر الله أن يستأذن عندما يريد إرسال الأسلحة إلى إخوانه الفلسطينيين عبر الأراضي المصرية كما ورد في مقابلتكم الملفتة للتلفزيون الإسرائيلي في توقيتها وشكلها ومضمونها مرة أخرى؟!

السؤال نفسه مطروح على كل وطني مصري غيور يرى ما يراه فخامة الرئيس.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء