قبل أن يضيع لبنان!
هناك حقيقة بسيطة وبديهية لكنها أساسية، تقول: إن أي مجتمع يتساهل ويقبل بسلاح خارج إطار الدولة الشرعية فإن هذا السلاح سينقلب عليه إن عاجلاً أو آجلاً، وما هو حاصل اليوم في الساحة اللبنانية على يد «حزب الله» يؤكد هذه الحقيقة، لقد تسامح المجتمع اللبناني مع سلاح «حزب الله» تحت دعاوى «المقاومة» ضد إسرائيل و«حماية» لبنان وقبل العرب شعوباً وحكومات- بهذا الوضع الاستثنائي بل ساندوا «حزب الله» سياسياً وإعلامياً على امتداد السنوات السابقة وحتى الآن، وبعضهم اعتبر السيد نصر الله هو صلاح الدين الجديد الذي سيحرر فلسطين، وحتى عندما قام السيد نصر الله بمغامرته «غير المحسوبة» وجر الخراب والدمار على لبنان واعتبر ذلك نصراً «إلهياً» صدقه قطاع عريض من الجماهير العربية، وقامت وسائل إعلام عربية في العديد من الدول بترويج هذا النصر الإلهي، وحذرت من المساس بسلاح «حزب الله» وجعلته خطا أحمر، بل إن العديد من وسائل الإعلام العربية اتهمت من ينتقد «حزب الله» عميلاً يخدم مصالح إسرائيل وأميركا، وها هو هذا السلاح «المفترس» يحرق بيروت اليوم ويقتل الأبرياء ويحاصر الشرفاء، ويعيث في الأرض فساداً ويسيل الدماء!! ها هو السلاح «المقدس» يرهب ويرعب مجتمعه وشعبه وحكومته ودولته لمصلحة الحليف الإيراني الكبير -ولي النعمة- ولخدمة مشاريعه وأجندته.لقد حذرنا كما حذر العقلاء من قبل وطالبنا بتحجيم هذا السلاح وإخضاعه لسلطة الدولة الشرعية لأن وجود السلاح وبهذه الكثافة في يد أي جماعة سياسية يجعلها تمارس سلطة تنافس السلطة الشرعية بل تتجاوزها، هذه بديهية معروفة لدى كل شعوب الأرض إلا العرب الذين تسامحوا مع وجود هذا السلاح بأيدي فصائل أو جماعات تدعي «الجهاد» و«المقاومة» وهكذا تم التغاضي عن سلاح الفصائل الفلسطينية الجهادية فاستولت «حماس» على غزة، وانقلبت على السلطة التشريعية، وفي الصومال حاولت ميليشيات «المحاكم» ابتلاع الدولة بعد أن زاد نفوذها حتى تصدت لها السلطة الرسمية وبدعم خارجي أمكن هزيمتها لتلوذ بالفرار، وتقوم بحرب عصابات اليوم، وعندما تغاضى اليمن عن سلاح الحوثيين ذاق الأمرين، وفي العراق تحصن الصدر بميليشياته المسلحة بحجة مقاومة «المحتل» الأميركي، لكنها تحولت في النهاية إلى عمليات السلب والنهب والقرصنة وفرض الإتاوات والخطف والقتل والتهديد، وبدأت برفع السلاح بوجه السلطة الشرعية، وتحولت إلى كابوس على صدر العراقيين في الجنوب، حتى تصدت لها السلطة التشريعية في عمليات «صولة الفرسان».
ميليشيات الصدر أو جيش المهدي كانت مرتبطة بالخارج وتحركها الأيادي الخارجية تماما مثل «حزب الله» و«الجهاد» الفلسطيني، وفي أفغانستان أفرز الوضع المضطرب «طالبان» التي لقيت دعما وتأييدا من باكستان، فاستولت على السلطة وجثمت على صدور الأفغان خمس سنوات عجاف، وكانت خطيئتها الكبرى استضافتها لـ«القاعدة» وزعيمها الذي فتح معسكرات لتدريب المجاهدين الذين توافدوا عليها من سائر أنحاء العالم الإسلامي ليجندهم وقوداً في غزوته التاريخية لأميركا، حيث ضرب رمزي الشموخ الأميركي الأمر الذي جعل المارد الأميركي ينطلق من قمقمه ليزلزل الأرض تحت طالبان وضيوفها، ويشردهم إلى شعاب جبال «تورا بورا» والمناطق النائية في «وزيرستان».«لبنان» اليوم «ضحية» واللبنانيون أصبحوا «رهائن» لدى «حزب الله» بسبب «سكوت» اللبنانيين على سلاحه، و«تردد» العرب في مواجهته وتحجيمه، ما يحصل اليوم في لبنان هو مظهر من مظاهر «العجز» العربي و«ضعف» النظام العربي، ولولا هذا العجز وذاك الضعف ما استطاع النظام الإيراني أن يتغلغل في العمق العربي، ويتمدد عبر خلاياه السرطانية في الجسد العربي العليل.تساءل د. طارق سيف -بصحيفة الاتحاد ما الذي يجمع الصدر ونصر الله ومشعل وهنية ونجاد وبن لادن والظواهري وقائد المحاكم الصومالية؟ وقال: إنهم جميعا لا يعرفون إجابة السؤال: ثم ماذا بعد هذا؟ أما نصر الله الذي شعر معظم العرب في وقت ما بأنه صلاح الدين يبعث من جديد، فقد فضح أمره بتحالفه المعلن مع إيران وأصبح لعبة في أيدي مصالح خارجية وحجر عثرة أمام لمّ شمل لبنان بعد أن فقد استقلاليته، وبات في انتظار التعليمات ولم تنفعه خطبه النارية وشعاراته الجوفاء، وظهر على حقيقته طامعا في فرض إرادة الآخرين على مصير لبنان من دون أن يدري أين المخرج؟ بعد أن تعطلت الحياة في لبنان... ولكن ماذا بعد هذا؟!لقد أصبحت واضحة اليوم أهداف النفوذ الإيراني في المنطقة عامة وفي لبنان خاصة عبر «حزب الله»، لقد أصبحت دولة فوق الدولة وسلطة أقوى من السلطة الشرعية.يقول -إياد أبو شقرا- اليوم لا يوجد أدنى شك في أن الاختراق الإيراني السياسي والأمني والعسكري للمشرق العربي أصبح حقيقة واقعة. نعم لقد اختطفت إيران الفصائل الفلسطينية كما قال ملك الأردن، وأصبحت لها (اليد) العليا في (غزة) أما في لبنان، فـ«حزب الله» هو الذراع العسكرية لإيران، وفي العراق تمول وتدعم وتدرب الميليشيات التابعة لها، وفي اليمن هناك الحوثيون الذين لهم ارتباط بها، ولا أستبعد الامتداد الإيراني حتى في الصومال، وفي كل أماكن التوتر في المنطقة، وحسب المثل العربي (في كل واد أثر من ثعلبة) بل إن إيران لم تتورع حتى بالتعاون مع «القاعدة»، وهي تستضيف -حاليا- أكثر من 100 عنصر من قيادات «القاعدة»، عندها كما يقول موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي... نعم كل توترات المنطقة أصبح وراءها إيران وقد كان خاتمي -الزعيم الإيراني الذي لم نعرف قدره صادقا حينما انتقد حكومة نجاد بأنها «تصدر ثقافة العنف» وكان محقا حينما تساءل: ما الذي قصده الإمام الخميني بتصدير الثورة؟ هل نحمل السلاح ونتسبب بانفجارات في بلدان أخرى؟ هل نشكل مجموعات للقيام بعمليات تخريب في بلدان أخرى؟ وقال إن الإمام كان يعارض بشدة أعمال الإرهاب. وقد اعتبر بعض المراقبين أن كلام خاتمي اتهام ضمني للحكومة بالتشجيع على زعزعة الاستقرار في المنطقة.لبنان اليوم في محنة عظيمة و«حزب الله» انقلب على السلطة الشرعية وهو مطمئن للدعم الإيراني المالي والسياسي والأمني والحكومة اللبنانية تستنجد بالعرب والمجتمع الدولي.لبنان عضو في الجامعة وهي مشتركة في اتفاقية الدفاع العربي المشترك، فهل يستطيع العرب إنقاذه ودعم حكومته الشرعية وإلزام الانقلابيين باحترام النظام والسيادة الشرعية أم يستمرون كعادتهم في الانقسام كما حصل في محنة الكويت حتى يتدخل المجتمع الدولي ليحسم الأمر؟!«المد الإيراني» جعل من «حزب الله» وصياً على لبنان وفوضه امتلاك السلاح والصواريخ خارج إطار الشرعية وحوّل لبنان إلى موقع متقدم للحرس الثوري الإيراني فإلى متى يسكت العرب على هذا الوضع الخطر؟!«المقاومة» حق مشروع وطني وقومي وديني ولكن عندما تنقلب المقاومة على مجتمعها ودولتها تصبح «بؤرة» فاسدة يجب استئصالها وإلا دمرت الجسد كله، هذه هي الحال في لبنان والعراق وغزة والصومال الآن: ما الدورس المستفادة من محنة لبنان؟ شعوب كثيرة مرت بصراعات وحروب أهلية، لكنها تعلمت من تجاربها وتجاوزت أخطاءها، لكننا مازلنا نكرر نفس الأخطاء ونلدغ من نفس الجحر مرات ومرات، كما قال المرحوم د.أحمد الربعي. إن من أهم الدروس أنه لا سلاح شرعيا غير سلاح الدولة، مهما كانت المبررات، والتاريخ يعلمنا أن من يتسامح ويمنح الشرعية لسلاح خارج إطار السلطة الرسمية فإن هذا السلاح سينقلب على مجتمعه ويغتصب السلطة ويدمر شرعية الدولة ويقوض وحدتها الوطنية، هذا قانون حديدي طبيعي يسري على كل المجتمعات.أما الدرس الثاني فهو أنه على امتداد 50 عاما باسم «المقاومة» ومحاربة إسرائيل وتحرير فلسطين سقطت أنظمة وتمت انقلابات ونشأت جماعات وأهدرت ثروات العرب كلها، وتعطلت مشاريع التنمية لأنه لا صوت يلعو صوت المعركة، وها هي إسرائيل اليوم في الذكرى الستين على تأسيسها أكثر قوة وأمناً، ويكفي أن تشاهد مسلك خصميها الأكثر ادعاء ورفعا لشعار «المقاومة» «حزب الله» و«حماس» لتأكيد هذه الحقيقة. لقد تحول سلاحاهما إلى الداخل وسقطت شرعية سلاح المقاومة. وكما يقول الذايدي «المقاومة حينما ترتبط بتصور انقلابي على المجتمع والدولة تصبح مقاومة للحياة لا من أجلها، وليس مفيداً أن نجدع أنوفنا بسكين المقاومة»، فهل ننقذ لبنان قبل الضياع؟* كاتب قطري، بالمشاركة مع «الوطن» القطرية