ما يحتاجه واقعنا السياسي اليوم هو أحزاب وجماعات وتكتلات سياسية، تحمل مشروعات واضحة وبرامج تنموية إدارية تلتزم بتنفيذها وفق خطة زمنية محددة خاضعة للمتابعة والرقابة والمحاسبة من جمهور الناخبين.

Ad

نشرت «الجريدة» الخميس الماضي تصريحا للنائب علي العمير نفى فيه وجود ما كان يعرف بـ«الكتلة الإسلامية» في مجلس الأمة، مؤكداً أن الكتلة الإسلامية البرلمانية انتهت وذهبت أدراج الرياح وأصبحت جزءاً من الماضي النيابي، وأضاف أن إنشاء كتل برلمانية جديدة مرتبط بإيجاد قواسم مشتركة بين أعضائها!

هذا الاستنتاج الذي جاء به النائب الفاضل بالأمس، والذي أظن أنه قد وصل إليه قبله الكثير من أبناء التيار الإسلامي المراقبين لما يجري على الساحة السياسية والمتابعين لإخفاقات وتخبطات الإسلاميين، كنت قد تنبأت به بالضبط أول ما ظهر ما سمي بالكتلة الإسلامية، وبالتحديد في مقال نشر في يوليو من عام 2003م في الزميلة «الراي»، حيث كتبت تحت عنوان «هل ولدت الكتلة الإسلامية ميتة؟» وقلت أن هذه الكتلة ولدت، وهي تعاني الكثير من التشوهات الخلقية لأنها تجمع المتناقضات، أو لنقل المتناقضين لنكون أكثر دقة، في داخلها، وبعدها بعشرة أشهر تقريبا كتبت ثانية تحت عنوان «الرقص على أنغام «الإسلاميين»!» إثر تصريح للنائب فيصل المسلم، منسق الكتلة الرسمي آنذاك، اعترف فيه بأن الكتلة الإسلامية مخترقة وتتعرض لهزات مخيفة، بل ويطلب من الجماهير ألا تعول عليها، وقلت يومها إن واقع العمل السياسي الإسلامي عموما في الكويت يعاني كثيرا من الأمراض، ابتداء بالتخبط وعدم النضج، مرورا بسوء التنظيم وركاكة التخطيط، وانتهاء بالانغماس في مستنقع المصالح الشخصية للأفراد والجماعات على حد سواء، وإن من المستحيل ألا تنعكس هذه الرزايا على واقع الكتلة الإسلامية الهزيل أصلا.

هذين المقالين أعقبهما مقالات عدة تصب جميعها في ذات الاتجاه، منها مقال «خمس فلوس»، ومقال «الكاتب الحساوي وأحلام العصافير»، وغيرها، وأذكر أني واجهت انتقادا شديدا من بعض الإسلاميين بدعوى أني من المثبطين والمحبطين والمخذلين وأني صرت كأولئك الذين يسمون الإسلاميين «بالمتلاعبين باسم الدين والمتأسلمين والمنافقين والإرهابيين والوصوليين والمتحالفين مع الحكومة وأصحاب المصالح»، في حين أن الكتلة الإسلامية لا تعاني إلا من اختلافات بسيطة في وجهات النظر!

ليس مقصدي اليوم من استرجاع هذه الذكريات إظهار أني كنت صاحب النظرة الثاقبة في حين أن بقية الكتاب الإسلاميين كانوا يعانون الرمد، لا أبدا، فالأمر كان واضحا لكل للناس، ولكن الإسلاميين أحجموا عن الاعتراف وكابروا، إما لأنهم لم يريدوا أن يضغطوا على الجرح المتقيح، وإما لأنهم كانوا يأملون أن تحصل معجزة ما فينصلح حال الكتلة الإسلامية ويرتقي أداؤها!

مرادي اليوم هو القول إن الفلسفة التي قامت على أساسها الكتلة الإسلامية هي فلسفة خاطئة أصلا، ففكرة أن يكون هناك تجمع للإسلاميين، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم بل مع اختلافاتهم ومشاكلهم كلها، في مقابل بقية نواب المجلس لإظهارهم وكأنهم على شيء آخر غير التوجه الإسلامي لاستمداد قوة سياسية من هذا المشهد، هي فكرة مغرقة في السذاجة، وإن كانت تنطلي على الناس في السابق فهي لن تجدي نفعا اليوم، خصوصا أن الإسلاميين أنفسهم ضربوا أوضح الأمثلة لتبيان مدى فشلها.

ما يحتاجه واقعنا السياسي اليوم هو أحزاب وجماعات وتكتلات سياسية، تحمل مشروعات واضحة وبرامج تنموية إدارية تلتزم بتنفيذها وفق خطة زمنية محددة خاضعة للمتابعة والرقابة والمحاسبة من جمهور الناخبين. ومن ينجح من هذه الأحزاب السياسية في تحقيق برامجه، ويصدق في وعوده لناخبيه، سيفوز بثقة الناس وسيضمن البقاء والاستمرار، وحينها سيحق له أن ينسب النجاح لمبادئه التي يؤمن بها، وأما قبل ذلك فكل ما سيقال سيبقى أمام الناس مجرد شعارات بلا قيمة!