حزب الله ... ينتصر مرة أخرى!
أثبت «حزب الله»، وبكل اختصار، أن أسطورة الصمود والقوة الإسرائيلية التي لا تقهر، يمكن قهرها بالصدق والعزم والمثابرة، ولكن الأمر في حاجة إلى رجال يحبون الموت، كما هو حال حسن نصر الله ورفاقه!
من المفهوم جداً ألا ينظر أولئك الذين لديهم مشكلة ما مع «حزب الله»، سواء على المستوى العقائدي أو الفكري، أو الارتباطاتي، أو حتى الشكلي، إلى استعادة الأسرى اللبنانيين ورفات الشهداء العرب أخيراً على أنه انتصار، فيحاولون التقليل من قيمته ودلالاته. هذا أمر طبيعي جداً، فمن النادر أن يكون الإنسان قادراً على التجرد وبكل أريحية من تأثيرات نفسيته التي ترغب في شيء ما فلا يحدث، ليستسلم بدلاً من ذلك لمسارات الأمور الخاضعة للواقع،لكن أن يذهب بعض هؤلاء، إلى حد تخليق نصر إسرائيلي تحقق من جراء عملية تبادل الأسرى، أو إلى إظهار الجانب الإسرائيلي بصورة زاهية، بالرغم من كل ما نقلته وسائل الإعلام عن مقدار خيبة الأمل في الشارع الإسرائيلي، وحجم الانكسار والمرارة النفسية التي تتجرعها إسرائيل هذه الأيام، وكل مشاهد الاتهامات والمشادات الكلامية على شاشات التلفزة الإسرائيلية، وعن مقدار الحرج الذي تعانيه حكومة أولمرت بالرغم من تبريراتها الوهمية عن انتصارها المعنوي، بسبب نزولها عند الأجندة التي فرضها «حزب الله» عليها، وهو الحزب الإرهابي في نظرها، والذي قاتلها براً وبحراً وجواً، وكسر المحرمات كلها التي وضعتها إسرائيل أمام مفاوضيها، فهذا أمر مثير للاستغراب فعلاً.إن استعادة الأسرى اللبنانيين ورفات الشهداء العرب في 16 يوليو 2008م، أكثر بكثير من مجرد مشهد لتبادل أسرى يجري بين طرفين متنازعين، فملابسات الحدث وتفاصيله التي لا يمكن نزعها منه، قد رفعته وباقتدار إلى مقام الحدث الرمزي التاريخي. نعم، لقد صار مفصلاً رمزياً تاريخياً لأنه أثبت أن «حزب الله» في حربه مع إسرائيل قد أحدث خللاً كبيراً في ميزان القوى التقليدي، وأن ملف الصراع العربي الإسرائيلي لايزال يحوي صفحات غير تقليدية، تختلف عن الصفحات التي ألفها العرب جيلاً بعد جيل، والتي كانت فيها إسرائيل دوما هي الفارضة لمسار الأحداث على الأرض.حين يكون الرئيس ميشال سليمان، والرئيس نبيه بري، والرئيس فؤاد السنيورة، وعدد كبير من ممثلي الأحزاب اللبنانية المختلفة على تباين توجهاتهم الطائفية والمذهبية والسياسية بمن فيهم المعارضون لـ«حزب الله»، بل ومَن كانوا يطالبون بنزع سلاحه، جميعا في الاحتفال الرسمي الجامع في مطار بيروت مع ممثل «حزب الله»، في استقبال الأسرى ورفات الشهداء، فحينها يجب أن يعترف الجميع، أمام هذه اللحظة البازغة بحضور أهلها كلهم، بأن ما حصل هو انتصار للبنان المتوحد بأطيافه كلها، وانتصار للمقاومة اللبنانية، وانتصار لـ«حزب الله»، وانتصار لحسن نصر الله.إن من يقرأ كتابات الأقلام العربية في الأيام التي تلت الحدث، وبالأخص الأقلام الفلسطينية، سيكتشف مقدار جرعة الحماسة والأمل الذي بثت فيها، وسيكتشف كيف أن روح اليأس التي خيمت عليها بسبب الواقع الفلسطيني المتعثر في ما بينه، والمتأزم في ما بينه وبين العدو الإسرائيلي، انقشعت وتبددت ما بين يدي هذا الانتصار السياسي الذي حققه «حزب الله» بقيادة حسن نصر الله، الذي أوجد آفاقاً جديدة للنظر في الملف الفلسطيني.هل نحن في حاجة إلى أن نكرر أن هذا الانتصار اللبناني على يد «حزب الله» قد أثبت مجدداً، أن إسرائيل لا تخضع إلا لمنطق القوة، والمواجهة، وأن أسلوب التسليم الذي لا ينطلق من موقع القوة ومن الإمساك بأوراق ضغط للتفاوض لا يدفعها إلّا إلى أن تذيق أصحابه مزيداً من التنكيل والقسوة؟ لا أدري، ولكنني متأكد أن «حزب الله» قد أثبت، وبكل اختصار، أن أسطورة الصمود والقوة الإسرائيلية التي لا تقهر، يمكن قهرها بالصدق والعزم والمثابرة، ولكن الأمر في حاجة إلى رجال يحبون الموت كما يحب غيرهم الحياة، مثلما هو حال حسن نصر الله ورفاقه!