المخرِّب الصغير
لدي حفيد لم يبلغ الخامسة من العمر، وهو ابن الزميل الابن سامي الفليح، وهذا الطفل الأعجوبة، ولا أقول المعجزة، وإن جاز حقيقة أن أطلق عليه المفردة الأخيرة؛ لأنه أعجزني تماماً وأعجز أهل البيت بإبداعه في التخريب تحديداً، أي بمعنى آخر أن هذا الطفل البريء -فرضاً- قد ولد وهو يحمل في عقله الصغير مهارة التخريب، وخصوصاً تخريب الأشياء الدقيقة في البيت، فهو ما إن يجد أمامه أي شيء حتى يتفتق عقله عن طريقة مذهلة لتخريب ذلك الشيء، بدءاً من (الكهربيات) وحتى السيارة، ولعل أغرب هواية تخريبية لديه هي شغفه بتخريب أجهزة الكمبيوتر في البيت. أما كيف يحدث هذا فذلك لا أعرفه ولا يعرفه أعمامه أيضاً، فما إن ينهض أحد أعمامه عن جهاز (اللاب توب) حتى «يقرمز» خلفه كالقرد، ثم يعمد بطريقة مذهلة لنزع جميع المفاتيح والأحرف في الجهاز وتكويمها على الأرض، ثم يعلن بكل تحد هكذا (أنا خربتِ كيوتر) أي خربت الكمبيوتر، ثم يلوذ محتمياً بجدته لئلا تطاله يد العقاب، وقد اشتكى لي أعمامه من جنايات (سلوم) وتكبيدهم الخسائر الفادحة في الأجهزة الثمينة التي كلما خرب جهاز اشتروا جهازاً آخر، باعتبار أن إنسان اليوم لم يعد يستغني عن «اللاب توب» وكأنه قد أصبح إحدى الضروريات لا الكماليات، وبالطبع هذا الاستغناء لا يشملني أنا باعتباري (أمياً) في هذا الجهاز الغريب العجيب والذي لم أستطع أن أألفه لأنني رجل من القرن العشرين المنصرم، وهو آخر القرون (الورقية) أي عصر استخدام الورق لا الجهاز، وهذا الأمر كثيراً ما أحرجني أمام رئيس التحرير ونوابه أيضاً؛ لأن كل زملائي الكتَّاب يستخدمون هذا الجهاز في إرسال موضوعاتهم إلا أنا؛ لأنني اعتدت أن أرسل مقالاتي على الطريقة القديمة- أي بالفاكس.
*** وبالأمس القريب غبت عن البيت شهراً بداعي السفر، وقد وجه لي الأستاذ عبدالعزيز المنصور نائب رئيس التحرير في جريدة «الجزيرة السعودية» الغراء والتي أكتب بها بشكل يومي نقداً لاذعاً بأنني لم أزل أستخدم الكتابة اليدوية على الورق، وقال لي بأن بمقدورك -يا أخي- أن تطبع بأصبع واحدة على الجهاز كما يفعل غيرك، وهنا ضحكت وقلت: أما أنا فلا أفعلها (!!) بإذن الله حتى الموت !! المهم أنني حينما عدت من السفر وجدت (سلوم) الصغير (مقرمزاً) كعادته كالقرد الصغير خلف أحد الأجهزة وقلت: والله لأضربنه ضرباً مبرحاً حتى لو غضبت هيئة حقوق الإنسان التي أنتمي إليها بتهمة اضطهاد الأطفال!! ولكنني قبل أن أرفع يدي قالت لي أمه: لا لا يا عمي، إنه قد تعلَّم أن يمارس الألعاب فيه ولم يعد يخربه، وهنا (قرمزت) أنا خلفه لكي أرى ما يفعل ووجدت أن هذا الطفل الصغير يعرف مفاتيح الجهاز، وكذلك حروفه وأرقامه والدخول إلى الألعاب فيه. وهنا أُسقط في يدي ووجهت الصفعة المزمعة إلى وجهي أنا، بدلاً من وجه سلوم؛ لأنني أستحق ذلك، فحتى الأطفال تعلموا إلا أنت أيها الجد المتخلف الذي تنتمي الى القرن الماضي.