عُرض الفيلم المغربي «رقم1» في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو أول عمل لمخرجته وكاتبته زكية الطاهري.

Ad

يتمتع «رقم1» بجاذبية وحيوية ملحوظة، يعرض لقضية حقوق المرأة العربية المغربية، يحزن لتعثّرها ويفرح بكل تقدّم أحرزته، ومن ذلك ما يعرف في المغرب بـ «المدونة الحقوقية» الصادرة عام 2004، والتي تعطي للمرأة المغربية رزمة من الحقوق، خصوصاً على صعيد الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة. والحق، أن جاذبية الفيلم وحيويته درامياً وفنياً، لا تنحصران في روح الفكاهة التي تخللته، بل أيضاً في مستوى النضج الفني والأسلوب الكوميدي الذي انتهجته المخرجة، فأتى الفيلم كوميديا اجتماعية ناضجة، تتراوح بين الواقعية والفكاهة ولا تخلو في بعض اللحظات من لمسات فكاهية صاخبة!

يجسد الممثل المغربي عزيز سعد الله شخصية «عزيز»، بطل الفيلم، برصانة على رغم أن أداءه يدخل في إطار أسلوب الفيلم العام الكوميدي.

«عزيز» مدير لمصنع ملابس، يطلق على كل من يعمل معه رقماً، وهو شخصياً يحمل رقم 1، ينظر إلى البشر من دون مشاعر حقيقية، فيعرفهم كأرقام ويتكلم معهم بلغة الأرقام الجافة الجامدة. في منزله نجده مع زوجته «سورية» على الحال نفسها، علاقته معها جافة بلا روح، على رغم أنها شابة رقيقة، لا تعرف سوى أطفالها وزوجها، وتتمنى منه حناناً فلا تجد إلا شدة المعاملة وغلاظتها، حتى أنها لم تعد تعرف لنفسها هدفاً خاصاً أو توجّهاً!

ينظر عزيز بضيق إلى تطرّق برنامج تلفزيوني لحقوق المرأة في قانون عام 2004 وحقوقها في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ويبتهج حينما تتوافق أراء بعض أفراد الجمهور، التي يستطلعها البرنامج، مع ميوله ونظرته الجوفاء المتعالية إلى المرأة، لكن عندما يلاحظ اهتمام زوجته وإنصاتها إلى مختلف الآراء يشعر بقلق وارتياب فيطفئ التلفزيون!

تستمع «سورية» إلى نصيحة صديقتها وتذهب إلى «شامة الساحرة»، كي تغيّر معاملة الزوج الغليظة، وفعلاً تعد لها الساحرة سحراً مؤثراً، وتقدم «سورية» الطعام لزوجها بخلطة سحرية تستبدل الزوج عزيز فوراً بزوج آخر طباعه مختلفة!

تتبدل طريقة معاملة عزيز للمرأة، سواء في المنزل أو المصنع، يصبح أكثر رقة وتفهماً، فالعاملة التي نهرها بالأمس وعاقبها بالحسم من مرتبها ولم يلتمس لها عذراً لتأخرها بسبب مرض ابنها، أصبح يعاملها بود وتفهّم، بل ويحتضن طفلها الرضيع في حنوٍّ بالغ!

تزداد الموسيقى التصويرية بهجة ومرحاً، تعبيراً عن مسلك الرجل الجديد، والمحبة والرقة التي أصبح يعامل بها زوجته التي لاحظت التغير ورحبت به، ويراه المجتمع من حوله نموذج «الزوج المثالي»، وتتمنى كل امرأة تعرفه أن يحتذي زوجها حذوه، لكن المشكلة أنه هو أيضاً يلاحظ تغيّره فيستغرب، ويحاول اكتشاف السر. اللافت أن زوجته نفسها تشعر بأن زوجها بات قلقاً، ولاحظ أن شيئاً غريباً حدث، والمثير أيضاً أن ذلك ينعكس عليها، فليست هذه السعادة المفتعلة ما ترجوه وتنشده، فتعود إلى الساحرة وتطلب منها إبطال السحر، فليس أسوأ من الافتعال حتى لو أتى بالمراد!

لحسن الحظ، فإن الرجل وبعد أن عرف الرقة والرحمة، وشعّ قلبه محبةً وعطاءً، يصبح معتدلاً ومنصفاً، من دون سحر!

أدارت المخرجة والمؤلفة زكية الطاهري عملها بعناية وتدقيق، وتحكمت بإيقاع الفيلم فأتى حيوياً ومحكماً، وضبطت أداء الممثلين ليبقى في إطار الكوميديا من دون أن يجنح إلى الصخب.

صنعت المخرجة حميمية مع شخصياتها من خلال اللقطات القريبة، فتأملنا معاناة الزوجة المغلوبة، ثم محاولتها تغيير زوجها من خلال الساحرة، وتعرفنا الى ملامح الرجل التي تضطرم فظاظة وتجهماً تجاه المرأة. كذلك صال الفيلم وجال بين نماذج المرأة في مناطق شعبية ليؤكد عمومية القضية المطروحة، وعدم اقتصارها على طبقة دون أخرى.

«رقم1»، فيلم يستحق المشاهدة لمخرجة واعدة ستقدّم حتماً أعمالاً سينمائية جميلة!