دول الخليج وعراق المستقبل

نشر في 12-10-2008 | 00:00
آخر تحديث 12-10-2008 | 00:00
 ياسر عبد العزيز ستة سيناريوهات تحدد ملامح عراق المستقبل، وتؤطر الفرص والمخاطر التي ستواجه دول الخليج العربية جراء جوارها الأبدي له وكتلتها الحيوية غير المتناسبة مع ضخامته وجموحه وما يعتريه ويُصدّره من تفاعلات وقلق.

السيناريو الأول يتحدث عن «عراق سعيد آمن مستقر»؛ إذ تنجح الحكومة في تعديل الدستور، وتجري انتخابات حرة نزيهة، تشارك فيها الفعاليات السنية والشيعية والكردية جميعها، وتشرف عليها الأمم المتحدة، وتراقبها قوى دولية ذات سمعة واعتبار، وتنتج عنها حكومة تحظى بالاعتراف والتفهم، وبرلمان يتمتع بالاستقرار والفاعلية. وانطلاقاً من هذا السيناريو يعيد العراق بناء نفسه، ويؤسس لعلاقات تحالف استراتيجي طويل الأمد وتبعية مبطنة مع الولايات المتحدة، ويلعب دوراً في موازنة القوة الإيرانية ولجم طموحات دول الخليج العربية، ويعقد سلاماً مع إسرائيل.

السيناريو الثاني يعيد العراق إلى مربع صدام حسين؛ فيقع بالكامل، أو معظمه، في قبضة ديكتاتور عسكري يستند إلى نعرة قومية وخلفية علمانية ذات ظلال سنية. وفي هذا السيناريو يستعيد العراق جزءاً من قوته الصلبة والناعمة، ويتمركز في مواجهة الطموحات الإيرانية، ويرقد على مخاطر طائفية، تشتعل أحياناً وتخبو كثيراً، وتتجدد «المظلومية الشيعية» مع احتمالات أكبر لتمرد شيعي يستمر الحاكم المستبد في قمعه.

السيناريو الثالث يبقي الوضع على ما هو عليه الآن؛ إذ ينسحب المزيد من القوات الأميركية، بعد وصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، وتفوز الأحزاب والمليشيات الشيعية (ممثلة في حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية) بمعظم مقدرات السلطة، وتخوض معارك صريحة ونزالات مستدامة مع قوى شيعية أخرى مثل التيار الصدري أو قوى سنية معتدلة ومتشددة؛ عراقية أو عربية. يظل العراق يراوح جريحاً غير مستعاد، ويعزز الأكراد حكمهم الذاتي على أنقاض الفيدرالية، ويستطيعون ضم كركوك، وينشأ إقليم شيعي في الجنوب على الأرض، يعارضه الصدريون والسنة نظرياً، وتؤيده بقية أحزاب الشيعة ومليشياتها... ومن خلفها إيران.

السيناريو الرابع تهيمن إيران على العراق كاملاً، خصوصاً إذا ما حسمت معركتها مع الولايات المتحدة سلماً من خلال أحد احتمالين: التخلي عن السلاح النووي لقاء إطلاق يد إقليمي جزئي، أو امتلاك السلاح النووي ضمن نظام ردع واحتواء وتنازلات لمصلحة واشنطن. وفي هذا السيناريو يتموضع الفاعلون الشيعة الموالون لإيران كأدوات حكم محلية، وتوفر إيران الدعم العسكري واللوجستي اللازم لقمع التمرد السني، ويتحول العراق قاعدة لمد شيعي يصدر القلاقل إلى محيطه العربي، ويتجسد الهلال الذي تحدث عنه الملك الأردني عبدالله بن الحسين حقيقة واقعة، وتجني واشنطن، ومن ورائها إسرائيل، ثمار احتراب سني- شيعي على مدى مساحة العالم العربي، وبحجم وعيه وإدراكه، وفي مدى زمني يستوعب الحاضر كله والجزء الأهم من المستقبل.

السيناريو الخامس تتحول فيه المعارك الجزئية الدائرة حالياً وفق توقيتات التفاوض حرباً أهلية شاملة مفتوحة، وتبقى السلطة المركزية مزعزعة اليقين والقدرة، وتبقى القوات الأميركية، والتدخلات الإسرائيلية، والمطامح الكردية، والانفلات الشيعي، ويتحول العراق بؤرة ذات قدرة أكبر على تجميع الظواهر الجهادية العربية والإسلامية.

السيناريو السادس حيث تتحلل الدولة تحللاً كاملاً في العراق؛ فيتحول هذا البلد العظيم مساحات من الاقتتال الطائفي والإثني والديني والعنفي المحض، وتفقد السلطة المركزية فيه أي سيطرة، وتكتفي قوات الاحتلال بتأمين المصالح الحيوية والمكاسب الاستراتيجية، ويصد الجوار العربي الشرور بالحوائط الأمنية وشراء الولاءات، فيما تلعب إيران ألعاب النفوذ والسيطرة وشراء الذمم بالمال والانصياع الطوعي الطائفي.

لا يبدو أن السيناريو الأول سيتحقق إذ ينحو إلى تفاؤل أكبر من طاقة الواقع حتى في ذروة تساهله، ويبدو أن السيناريوهين الخامس والسادس بعيدان عن التحقق أيضاً؛ إذ لا يتحمل نتائجهما الإقليم أو العالم، ولن يجدا قراراً يمكن أن يدعمهما أو حتى أن يتغاضى عنهما.

يبقى السيناريو الثاني حيث الديكتاتورية العسكرية ذات الظل القومي السني، والثالث حيث يبقى الوضع على ما هو عليه، والرابع حيث تهيمن إيران بالكامل على العراق. فإذا كانت دول مجلس التعاون الخليجي الست معنية بتشخيص مصالحها لقاء جارها العتيد؛ فإنها ستكون معنية كذلك باختيار أنسب السيناريوهات الداعمة لهذه المصالح.

وبناء على اختيار السيناريو الأمثل لدعم مصالح دول «التعاون» الست، التي يعرف الجميع أنها مبنية على اعتبارات الأمن والاستقرار والسلام والتعاون ودعم القضايا القومية العربية ذات الاتفاق، يجب أن تتحرك الدبلوماسية الخليجية؛ سواء منفردة أو من خلال التعاون مع الشقيقات في الجامعة العربية، أو عبر المحافل الدولية.

لا يجب أن تتناسى دول الخليج العربية أنها تقع في مرمى أي تفاعل عراقي مهما كبر أو صغر، وأن مراقبة الأمور وتوقع الخير والتعويل على الآخرين دون عناء العمل وتحمل أعباء المخاطرة لن يجدي أمام ما ينتظر العراق من سيناريوهات معظمها قاتم. والواقع أن دول «التعاون» قد تكون غير قادرة على تفعيل سيناريو من السيناريوهات السابقة أو نقضه بمفردها، لكنها من دون شك قادرة على أن تعمل، من خلال دبلوماسية دؤوبة متماسكة، وبالتعاون مع شقيقات يعرفن الهواجس ذاتها، على أن تتفادى أحد هذه السيناريوهات أو بعضها، طالما كانت تعرف عظم مخاطره وشروره، أو أن تعزز أحد هذه السيناريوهات، طالما كان يصب في مصلحتها ومصلحة سلام الإقليم واستقراره وأمنه، بل ومصلحة العراق نفسه.

* كاتب مصري

back to top