Ad

موضوع «الجنوس والبويات» ليس موضوعي، وقصارى الأمر أنني استخدمته جسراً للعبور إلى قدرة الإعلام على تحويل أي موضوع، مهما كان، إلى الموضوع الأكثر أهمية والأكثر إثارة، وتوجيه الرأي العام نحوه على حساب قضايا وموضوعات تفوقه في الأهمية وتتجاوزه.

استوقفتني فقرة أوردها الأستاذ تركي الدخيل في كتابه الأخير «كنت في أفغانستان»، وبالرغم من كونه أتى بها في سياق مختلف كثيراً، فإنني وجدتها تقودني إلى الفكرة التي ستقرؤون.

الفقرة التي جاء بها الدخيل في كتابه البديع، الذي صدر أخيراً عن مكتبة العبيكان، تقول إن: «القضايا السطحية هي التي تصنع المفارقات والنزالات والنزاعات، لاسيما في المناطق التي يغذيها النزاع، وتقتات على الصراع، لتكون هذه السطحية، عاملاً رئيساً من عوامل تشكيل عقلية الإنسان».

من تابع صحافتنا خلال الفترة الماضية، سيلاحظ من دون جهد يذكر أن موضوع ظاهرة المثليين في الكويت قد احتل موقع الصدارة من جملة الموضوعات التي تكرر طرحها، وأن مصطلحي «الجنوس والبويات» قد كثر تداولهما إعلامياً، بشكل يكاد يكون جعلهما جزءاً من القاموس اللغوي اليومي لقراء الصحف.

حصل هذا، بالرغم من أن موضوع المثليين، إن نحن قمنا بوضعه على الميزان في مقابل بقية الموضوعات المطروحة في ذات الفترة، أو حتى في مقابل كثير من الموضوعات التي لم تجد من يطرحها لخلوها من «الجاذبية الإعلامية»، فسنجد أنه موضوع سطحي وبامتياز. وأنا حين أصفه بالسطحي، فإنني لا أرمي إلى أن الموضوع غير مهم أو غير جدير بالمعالجة، بل قصارى مقصدي أنه حتماً لا يرقى الى أن يكون موضوع مانشيتات الصفحات الأولى وبشكل يكاد يكون يومياً لبعض الصحف!

مسألة «الجنوس والبويات» وكيفية التعامل معها، والتي هي ربما الموضوع الأكثر ضجة من جملة ما جاءت به لجنة الظواهر الدخيلة التابعة للبرلمان حتى الآن، وبالرغم من سطحيته (من حيث الأهمية والتأثير كما قلت)، فإنه قد استحوذ على الكثير من تفكير بعض النواب، والكثير من تصريحاتهم بالتبعية، والكثير الكثير كذلك من اهتمام بعض الصحف وكتابها، حتى صار مَن ينظر إلينا من الخارج غير بعيد عن الظن بأن نصف الكويت جنوس وبويات، والنصف الآخر من عبدة الشيطان (وهو موضوع حاز اهتماماً إعلامياً مبالغاً فيه كذلك)!

ومع الدحرجة المقصودة للكرة الثلجية لهذا الموضوع بواسطة بعض الصحف، ها هو قد تحول إلى نواة نزاع ونزال وصراع، يجري تبادل الاتهامات فيها من مختلف الاتجاهات إلى مختلف الاتجاهات، وتهدد بالتصاعد لخلق أزمة جديدة تضاف إلى مسلسل أزماتنا المتتابعة، والذي يحوي العديد من الحلقات السطحية!

موضوع «الجنوس والبويات» ليس موضوعي وقصارى الأمر أنني استخدمته جسراً للعبور إلى قدرة الإعلام على تحويل أي موضوع، مهما كان، إلى الموضوع الأكثر أهمية والأكثر إثارة، وتوجيه الرأي العام نحوه على حساب قضايا وموضوعات تفوقه في الأهمية وتتجاوزه.

الإعلام قادر على اختطاف الرأي العام وباقتدار من دون أي مساعدة، فما بالكم حين يكون المجتمع مهيئاً ومتعطشاً للنزاعات أصلاً، وتستهويه الاستقطابات الفئوية وسرعان ما ينقاد إليها؟! مجتمعنا واقع وراتع في هذا حتى أذنيه، لكن ما أخشاه حقاً هو أن تكون هذه الحالة هي حالة اللاعودة، وأن السطحية قد أصبحت عاملاً رئيساً من عوامل تشكيل عقولنا، إلى الأبد!