حرب المخابرات بين الموساد و حزب الله

نشر في 04-03-2009
آخر تحديث 04-03-2009 | 00:00
 علـي بلوط حرب المخابرات بين الأجهزة السرية الإسرائيلية ونظيرتها اللبنانية وصلت في هذه الأيام إلى الذروة. طبعاً الساحة الرئيسة لهذه الحرب هي الساحة اللبنانية لكنها في الفترة الأخيرة انتقلت إلى بعض العواصم الأوروبية وبشكل خاص إلى العاصمة الفرنسية.

هذه الحرب ليست جديدة، بل ترجع إلى عهد قيام الدولة الإسرائيلية في 1948، غير أن اشتعالها مجدداً وبهذا العنف يعود إلى عوامل معروفة لدى الأوساط التي تتعاطى مثل هذه الأعمال. إن العنصر الذي برز أخيراً هو حصول الأجهزة اللبنانية وحلفائها «حزب الله» على تكنولوجيا التجسس الحديثة، وبذلك لم تعد هذه تكنولوجيا حكراً على الأجهزة الإسرائيلية. والدليل على ذلك أن جهاز مقاومة التجسس لدى «حزب الله» حصل على مثل هذه الأجهزة، وتمكن من اكتشاف أخطر شبكة تجسس في عقر داره في الجنوب اللبناني وبالتحديد في مدينة النبطية التي تعتبر أحد الحصون الحصينة لـ«حزب الله».

منذ حوالي شهر أو أكثر أعلنت القيادة العسكرية في اليرزة أن مخابرات الجيش اعتقلت أفراداً يتخابرون مع إسرائيل بقيادة المواطن اللبناني (شيعي) مروان الفقيه مع ستة معاونين له لم تُعلن أسماؤهم بعد. لكن ما عُرِف أن بينهم بعض النساء. والحقيقة أن جهاز «حزب الله» الأمني هو الذي اكتشف هذه الشبكة بعد مراقبة دقيقة لزعيمها عبر الأجهزة الجديدة التي حصل عليها. أجرت أجهزة الحزب تحقيقاتها في إطار السرية التامة، وعندما اكتمل ملف التحقيق سلمته مع المعتقلين إلى المخابرات العسكرية اللبنانية، وهذا إجراء روتيني جرى تنسيقه مع المخابرات العسكرية اللبنانية منذ زمن ليس ببعيد. أي أن تكتشف أجهزة الحزب المشبوهين بالتعامل مع إسرائيل، ثم تتولى ملاحقتهم وعندما تحصل على الأدلة الكافية تعتقلهم دون أن تبلّغ السلطات اللبنانية، ومن ثم تسلمهم إلى المخابرات العسكرية اللبنانية مع كامل ملف التحقيق والإثباتات. والغاية من وراء هذا التنسيق الأمني بين الحزب والجهة اللبنانية إبعاد الأجهزة اللبنانية التي يشك «حزب الله» أنها قد تكون مخترقة، ليس على المستوى العسكري، بل على المستوى السياسي أيضاً. هذا بالإضافة إلى غاية أخرى تتعلق بسلامة الأجهزة اللبنانية والعاملين فيها باعتبار أنها أقلّ سريّة من أجهزة «حزب الله»، وبالتالي يمكن التأكد من أن المعلومات المتوافرة للحزب لا تنتقل إلى الخارج قبل استكمالها بشكل نهائي. وهناك عامل مضاف يتعلق بمنع تعرض أفراد الأجهزة اللبنانية لأي عملية انتقام فردي، أو تسريب محتمل، يعرض العملية كلها إلى الفشل. هذا التنسيق غير المكتوب بين الجهتين مازال ساري المفعول إلى يومنا هذا، وقد أعطى نتائج إيجابية في اكتشاف عدة شبكات والقبض على عناصرها منذ عدوان تموز 2006. غير أن شبكة مروان الفقيه تُعتبر قمة النجاح، وبالتالي تشير إلى امتلاك «حزب الله» آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا المخابرات على مختلف أنواعها.

مروان الفقيه تاجر لبناني جنوبي يملك في منطقة النبطية محطتين لبيع وقود السيارات بالإضافة إلى معرض كبير لبيع السيارات المستعملة والجديدة، وقد استطاع مروان على مدى خمس سنوات تقديم خدمات ذات فائدة، وعلى مختلف المستويات للحزب مما جعله مقرباً من الصف الثاني في القيادة الحزبية، وقد اعتمدته قيادة الحزب لشراء بعض السيارات الحديثة ذات الدفع الرباعي التي يحتاج إليها من السوق الأوروبية بما فيها السيارات المصفحة. وسار كل شيء على ما يرام إلى حين اغتيال عماد مغنية بتفجير سيارته في أحد شوارع دمشق. ويقال- وهذا غير ثابت إلى الآن- إنها كانت الإشارة الثانية لمخابرات الحزب في توجيه الشكوك نحو مروان، لأن سيارة مغنية مشتراة عبره (هذه المعلومات مازالت في إطار الإشاعات). إن هذا القول غير مثبّت نظراً لحرص الحزب على إخفاء كل ما له علاقة بمقتل قائده العسكري. أما إشارة الشك الأول بمروان فقد نتجت عن رغبته التي بلغت حد الإصرار على التعرف شخصياً على عماد مغنية، مما دفع جهاز الحزب إلى وضعه تحت المراقبة غير الدقيقة.

تقول رواية منتشرة في حدود ضيقة إن سبب اكتشاف مروان فقيه يرجع إلى محض المصادفة، فقد تعطلت إحدى السيارات التي باعها للحزب نتيجة احتكاك أسلاك كهربائية، وخلال إصلاح هذا العطل الكهربائي اكتشف خبير الكهرباء (وهو عضو في حزب الله) وجود آلة صغيرة الحجم مخبأة داخل محرك السيارة بتقنية عالية. ولدى التدقيق تبين أن هذه الآلة العالية التقنية هي عبارة عن نسخة حديثة وغير معروفة في الوسط التجسسي لجهاز (G.P.S) جرى ربطه مباشرة بأحد الأقمار الاصطناعية التجسسية التي أطلقت إسرائيل بعضها في السنوات الأخيرة. ومهمة هذا الجهاز تحديد تنقلات السيارة بدقة بالغة، وإرسال الإشارات فوراً إلى القمر الاصطناعي التجسسي الإسرائيلي، وأيضاً تحديد أمكنة سيرها ووقوفها مع مسح كامل لهذه الأمكنة.

وتضيف الرواية أن هذا الاكتشاف أحدث ما يشبه الذعر في القيادة العليا للحزب التي قررت إحاطة الموضوع بستار حديدي من السرية والكتمان، ثم أخضعت جميع السيارات المشتراة من مروان الفقيه إلى تدقيق ميكانيكي كثيف حيث تمّ اكتشاف وجود الـ(G.P.S) في أكثر من سيارة تابعة لأكثر من قيادي حزبي. هناك خطأ في بعض تفاصيل هذه الرواية يشير إلى عدم صدقيتها وهو أن اكتشاف آلة التجسس الصغيرة لم يتم بمحض المصادفة، وليس لأن السيارة الأولى أصيبت بعطل كهربائي، بل جاء نتيجة لحصول «حزب الله» على آخر ما اخترعه عالم التجسس لكشف الآلات المزروعة والمرتبطة بالأقمار المخصصة للتجسس الأرضي. وبعد اغتيال القائد العسكري عماد مغنية جرى تفتيش كل السيارات التي يملكها الحزب، ومن ثمّ التأكد من أن بعض هذه السيارات المشتراة من مروان فقيه هي وحدها المزروعة بأدوات التجسس.

وهنا تبدأ المرحلة الثانية، فقد قرر الحزب وضع مروان تحت المراقبة الدقيقة 24 ساعة في اليوم الواحد، حيث جرى تسجيل أنفاسه وتحركاته وسكناته لمعرفة مدى انتشار خليّته التجسسية والتأكد من هويات أفرادها. جرت هذه العملية طيلة ثلاثة أشهر ولم يكن يعرف بتفاصيلها سوى عدد قليل جداً من قيادة الحزب وبصورة خاصة أمينه العامّ السيد حسن نصر الله، كذلك لم يبلغ الحزب شريكه في التنسيق الأمني (المخابرات العسكرية اللبنانية) إلا بعد اعتقال أفراد الشبكة والانتهاء من التحقيق معهم، وتقول مصادر عسكرية لبنانية موثوقة إن الخلية التجسسية استخدمت «العنصر النسائي» في نشاطها، وإن باريس هي مركز قيادتها الرئيسي، حيث كان يجتمع مروان وبعض معاونيه بالمخابرات الإسرائيلية هناك.

ويقال، وهذا القول غير مؤكد، إن الخلية كانت تستهدف بيع عدد من السيارات التي يمكن للسيد حسن نصر الله أن يستخدمها في تنقلاته النادرة، وقد عرض مروان الفقيه هذا النوع من السيارات، وفي سبيل زرع الاطمئنان في نفسه، بينما كان تحت المراقبة الدقيقة، قيل له إن عرضه مطروح للدرس وهناك أمل كبير في شراء عدد من السيارات لاستخدام الأمين العام للحزب، وعليه أن يستعد لإبرام هذه الصفقة.

كل هذه المعلومات وغيرها وُضِعت في ملف خاص جرى تسليمه إلى المخابرات العسكرية اللبنانية التي أعلنت أنها وضعت يدها على شبكة تجسس إسرائيلية كبيرة، وأنها ستنشر تفاصيلها قريباً، وكان متوقعاً أن يتمّ نشر التفاصيل في نهاية الشهر الماضي، غير أن تأخير الإعلان والنشر ربما يعود إلى العثور على «زوايا» جديدة مرتبطة بالشبكة وبنشاطها ومسؤولياتها عن تفجير واغتيال بعض السياسيين والصحافيين اللبنانيين.

كذلك هناك من يربط بين شبكة الفقيه وخطف أحد مهندسي شركة «طيران الشرق الأوسط» (وهو جنوبي أيضاً) بالقرب من مكتبه في المطار وفي منطقة الضاحية الجنوبية، غير أن أي إشارة لم تظهر لتؤكد هذا الربط، مع العلم أن مصير هذا المهندس مازال مجهولاً بالرغم من الجهود التي يقودها شخصياً الرئيس ميشال سليمان لمعرفة مصيره. ولم تُصدر الجهات الرسمية اللبنانية أي بلاغات عن الموضوع سوى تأكيد الرئيس سليمان الشفهي ووزير الداخلية زياد بارود أن «التحقيق مازال مستمراً» وأن على أهل المخطوف أن «يتحلوا بالصبر»، مما زاد في قناعة البعض، خصوصا أوساط (14 آذار) الموالية بأن المخطوف موجود لدى جهاز مخابرات «حزب الله» الذي بقي صامتاً كأبي الهول وكأن الأمر لا يعنيه.

إن عملية اكتشاف شبكة مروان الفقيه دفعت «حزب الله» إلى إجراء تغيير شامل على الأرض في أمكنة وجود قيادييه وأسلوب وأمكنة تنقلاتهم بحيث أصبحت المعلومات التي نقلتها الشبكة لا قيمة مخابراتية لها.

* كاتب لبناني

back to top