أحد كتّاب المهجر الكويتيين الذين أخذ يتزايد عددهم في السنوات الأخيرة، وتختلف مواقع غربتهم الاختيارية من القاهرة إلى شيكاغو مرورا بعاصمة الضباب لندن وجبال لبنان، وفي معرض انتقاده لقانون الاستقرار المالي، وحتى لا يغضب «ربعه» بأن يصفهم وحدهم بالمضاربين، وصف كل المقترضين في البلد بأنهم مضاربون مثلهم، وبذلك يحق عليهم كل ما يحل بهم من مصائب وإفلاس، وحتى لو وصلت آثار ذلك التشبيه لتشريد عوائلهم.

Ad

ما لم يعرفه بالتأكيد كاتب «البراد» و«السنو» في مرابع «إلينوي»، هو ما تعانيه الأسر الكويتية التي لم يستطع معيلها أن يحصل على قسيمة صناعية أو مناقصة أو ممارسة حكومية في زمن الثروة النفطية، وهم الأغلبية، وما لم يشعر بالتأكيد به أيضا معاناته عندما يصل أبناؤه إلى سن 15 سنة وهم متكدسون في شقة، والأراضي من حوله يتلاعب بها المحتكرون من متنفذين، وبنك «ملتحي» صنع ثروته من المضاربة في الأراضي منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، بينما تصل قيمة قطعة أرض سكنية صغيرة في «شول» الكويت إلى قيمة قصر في أفخر ضواحي أوروبا أو كاليفورنيا.

وبالتأكيد لم يمر صاحبنا المهاجر بتجربة رب أسره كويتي، ثابر وجاهد ليربي أبناءه في أحسن المدارس، ثم تُلْقيه قرعة الإسكان العشوائية في حي سكني من مستويات اجتماعية مختلفة لا تتناسب معه، فيجد نفسه وعائلته في «فريج» هو مرتع لأحداث من المدمنين والمنحرفين، ويرى أبناءه في طريقهم إلى الهاوية، فيبيع كل ما يملك ويقترض ليهرب من المصيبة التي تحيط بعائلته، ليشتري بيتا مهما بلغت قيمته بسبب ظلم وجشع محتكري الأراضي وفحش فائدة القرض، ولم يعش أيضا مأساة أب حصل أحد أبنائه على نسبة تفوق 70 في المئة، ولم يقبل في أي مؤسسة تعليمية فيقع فريسة دكاكين الجامعات الخاصة وأقساطها التي تفوق أفضل الجامعات العالمية، وكذلك لم يقاسِ صاحبنا (المهاجر) فجيعة متقاعد يتلوى في ليله، وهو يفكر في توفير سيارة لأحد أبنائه المقبلين على الدراسة الجامعية بعد أن أصبحت عرفاً اجتماعياً يفرضه واقع الحياة في البلد، فيكون صيداً سهلاً لـ«شرباكة» القروض.

وقائمة التجارب التي لم يمر بها صاحبنا تطول، ومنها أنه لم ينعم بمسلسل معاناة مرافق وزارة الصحة وأبسطها عندما «يصقع» لدى مواطن ضرس، فيمر بتجربة أخذ الأشعة في مكان، يليها موعد لحفر الضرس في مكان آخر، ثم موعد آخر قد يمتد لأسابيع لنزع العصب، ثم موعد جديد للحشو في جولة تمتد إلى عدة مواقع في البلد، فتصعب عليه نفسه وألمه بعد هذه المذلة، ويذهب إلى عيادة خاصة تكون عواقبها وخيمة عليه بفاتورة تصل إلى مئات الدنانير لمعالجة ضرس واحد فقط، ولم يحس بمدى الغبن الذي يعيشه الكويتي أيضا من الغش التجاري والتلاعب بالأسعار في ظل إدارة حكومية لحماية المستهلك متواطئة ومتهالكة، ورفض السلطة منذ عقود الموافقة على الترخيص لجهات مدنية للعمل على حماية المستهلك وقمع الغش التجاري والاحتكار.

معاناة الأسر الكويتية كثيرة وكبيرة، وما يروج عن البذخ والسفر والسيارات الفارهة هو ظاهرة ناتجة عن ممارسات إفساد المجتمع وإلهائه عن واقعه ومستقبله، والتي بدأت منذ أمدٍ بعيد، ونجحت لدى البعض، وهي موجودة لدينا كما هي موجودة في كل المجتمعات، ولكنها ليست لب المشكلة ولا هي الواجهة الحقيقية لها، فهناك الكثيرون ممن يعانون في الكويت، التي يُصوَّر شعبها من قبل كتّاب «الصفوة» على أنه نموذج الدلال وفساد المجتمعات النفطية (وهي بالمناسبة صفة كان يروجها النظام الصدامي عن المجتمع الكويتي عند غزوه للبلاد)، وهي في حقيقة الأمر رؤية جزئية غير صحيحة وليست شاملة مقارنةً بأوضاع الدول الخليجية النفطية الأخرى المماثلة لنا في الحجم وعدد السكان والثروة.

فيا كتّاب المهجر وغيرهم ممن تقسون على أبناء جلدتكم الكويتيين عودوا إلى نبض مجتمعكم وصوته واسمعوا شكواه وأناته، ولا يجمد صقيع مرابع مهاجركم عواطفكم ويحجر قلوبكم.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء