كان اتحاد الحقوقيين العرب وبالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد عقدا ندوة مهمة في عمان شارك فيها خبراء ومختصون وحقوقيون وإعلاميون عرب وأجانب، تحت عنوان «الإعلام وعلاقته بالقانون الدولي الإنساني»، وذلك لإدراك أهمية العلاقة ووثوقها بين العمل الحقوقي والإنساني من جهة، والوظيفة والمهمة الإعلامية المهنية والإنسانية من جهة أخرى.

Ad

وعلى الرغم من التطور الذي حصل في ميدان حماية الإعلاميين، باعتبارهم جزءاً من المدنيين أيضاً، فإن المجتمع الدولي مازال لا يولي اهتمامه الكافي بالإعلاميين، لاسيما في أوقات الحرب وفي مناطق النزاع، إذ لا يتمتعون بالحماية الكافية واللازمة التي تمكّنهم من أداء واجباتهم المهنية والإنسانية والأخلاقية، ولعل أحداث غزة ومحاصرة الإعلاميين وعدم السماح لهم بتغطية الانتهاكات السافرة والصارخة للقوات الإسرائيلية التي اجتاحت غزة، وقامت آلتها العسكرية بقتل المدنيين بوحشية وقسوة، لاسيما قصف مواقع لمنظمات دولية ومدارس وأماكن دينية وأثرية وجوامع وغيرها، هو أحد النماذج الصارخة للانتهاكات ضد الإعلاميين، حيث حاولت إسرائيل منعهم من القيام بواجباتهم المهنية والإنسانية لنقل الحقيقة.

وقد كان إطلاق سراح الزميل سامي الحاج (المصور في قناة الجزيرة) بعد احتجاز دام نحو 6 سنوات في سجن غوانتانامو دون توجيه تهمة محددة إليه، فرصة ثمينة رغم أنها قاسية ومأساوية، لإعادة البحث بشأن المسألة القانونية والأخلاقية، إزاء المخاطر الجسيمة التي تهدد الإعلاميين وتنتهك حقوقهم الإنسانية والمهنية. فقد ظلّت التشريعات الدولية حتى الآن قاصرة بشأن حماية الإعلاميين بما فيها قواعد القانون الدولي الإنساني، وإذا ما تتبعنا ذلك سنلحظ أن إعلان بروكسل لعام 1874 أشار إلى اعتماد مراسلي الحرب كأسرى عند وقوعهم في الأسر، ولم تحرز المسألة تطوراً كبيراً رغم تقدم تكنولوجيا الحروب والأسلحة.

وقد أخذ دليل أكسفورد الصادر عن المعهد القانوني الدولي 1880 هذا التوجه معتمداً اعتبار الإعلامي (الصحافي- المراسل) الذي يقع في قبضة المتحاربين باعتباره أسير حرب، ومع أهمية هذين النصين، إلاّ أنهما لا يرتقيان إلى النصوص التشريعية الملزمة، وظلّت صيغتهما فضفاضة وأقرب إلى التوصية منها إلى النص القانوني الملزم.

وجاءت قوانين لاهاي وهي المعاهدات الصادرة عامي 1899 و1907، لاسيما المادة 23 و42 على التوالي لتؤكد واجبات المتحاربين وحقوقهم، لكن الأمر ظل يشكل نقصاً واضحاً في القانون الدولي الإنساني، الذي لم يضع آليات ملزمة لتطبيق أحكامه بشأن حماية الصحافيين. وإذا ما توقفنا عند المادة 79 من بروتوكول جنيف الأول الصادر عام 1977 عن المؤتمر الدبلوماسي (وهو البروتوكول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة) فإنها جاءت مرنة وأقرب إلى التوصية كذلك، ولم ترتقِ إلى مصاف المادة التشريعية القانونية التي تلزم وتوجب إيجاباً شرطياً، وإن كانت قد حددت بعض المواصفات الخاصة بالصحافي كأن يحمل هوية ولديه ترخيص معين، لكن هذه قواعد للتخيير والجواز وليس للإلزام والالتزام التي تتطلب نصاً صريحاً بالحماية اللازمة.

وذهبت معاهدة جنيف الثالثة، لتأكيد نظام أسير الحرب (المادة الرابعة) وأكدت على صفة أسير الحرب، بمن فيهم المراسلون الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا جزءاً منها، وهؤلاء يمكن أن تنطبق عليهم صفة أسرى الحرب، وكانت اتفاقية جنيف لعام 1949 قد أكدت الصفة القانونية لمن يحمل تصريحاً من القوات المسلحة.

وإذا كان لا بد من تطوير القانون الدولي الإنساني مع التطور الإعلامي، فإن المادة 79 من بروتوكول جنيف الأول، الصادر عن المؤتمر الدبلوماسي 1977، فتحت الطريق لذلك وإن كانت بصيغة عمومية، الأمر الذي يستوجب دعم وتطوير الاتفاقيات الدولية لحماية الصحافيين في إطار حماية حقوق الإنسان، تمهيداً لمشروع معاهدة دولية لحماية الصحافيين تلك التي لم يسعفها النجاح بسبب الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، لاسيما خلال احتدام الصراع الإيديولوجي.

وإذا كانت المادة 48 من بروتوكول جنيف الأول قد فرّقت بين المدنيين والمقاتلين، لاسيما في الأماكن العامة والمناطق العسكرية، خصوصاً أن الإعلاميين يشكلون فئة خاصة من المدنيين، لهذا تنطبق عليهم صفة أسرى حرب، وينبغي معاملتهم معاملة أسرى الحرب دون تأويل أو تفسير، وبما أن المدني لا يحق له المشاركة في القتال، وبالتالي ستتبدل صفته، فالإعلامي لا يحق له أن يكون جزءًا من القوات المتحاربة، وبالتالي سيفقد صفته كمدني.

* باحث ومفكر عربي