Ad

ها هم النواب، بدلاً من أن يسلكوا الطريق الصحيح لـ«مأسسة» العمل البرلماني، وإشهار الجماعات السياسية وقيام الانتخابات على هذا الأساس، يسعون نحو «مأسسة» أنفسهم وزيادة عدد مساعديهم!

أظن أن الموضوع الذي حاز أكثر كمية من النوادر والنكات خلال الأيام القليلة الماضية هو موضوع إقرار البرلمان لمسألة أن يصبح لكل نائب خمسة عشر سكرتيراً.

أحد من أعرفهم لايزال يتفكر في عدد المواقف التي ستلزم لسيارات هذا العدد الإضافي من الموظفين في مجلس الأمة، وآخر يقترح صرف باص «كوستر» لكل نائب وفريق السكرتارية الخاص به بدلاً من السيارة الصالون التي تصرف له حالياً، والبدء بتطبيق فكرة النقل الجماعي على النواب ممثلي الأمة، لتخفيف الازدحام المروري.

شخصياً، لا مشكلة عندي في أن يكون للنائب هذا العدد الكبير من السكرتارية والأتباع والمرافقين، ولا مشكلة عندي في أن يسببوا أزمة مواقف في مجلس الأمة، لأنه سيسهل حلها ببناء مواقف إضافية، شريطة أن يكون لهؤلاء الموظفين الجدد ثمرة وفائدة. لكن واقع الحال الذي أعرف يؤكد أن النائب وعندما كان له خمسة من السكرتارية فقط كان لا يستفيد منهم جميعاً، لأن أغلبهم كان ينال هذه المناصب من ضمن الصفقات والترتيبات الانتخابية، لينتهي به المطاف بلا عمل حقيقي! لذلك فقلقي اليوم أن ينتهي مصير أغلب، إن لم يكن كل، هؤلاء القادمين الجدد إلى النوم في العسل والانضمام إلى قوائم البطالة المقنعة التي تحوي الآلاف من الموظفين الكويتيين أصلاً.

كتبت مرات عديدة، حتى أظنها أصبحت علامة تجارية مسجلة باسمي، أن العمل البرلماني ليس عملا فردياً ولا ينبغي له أن يكون كذلك. طبيعة العمل البرلماني وحجم المسؤوليات التي يفترض أن يحملها النائب على عاتقه، كلها تصيح وبصوت عال بأن هذا العمل لا يستطيع أن يحمله أو يتحمله فرد واحد ولو كان «سوبرمان»، وأن العمل عمل جماعي مؤسساتي متعدد المستويات.

ولست وحدي على هذا، فكثيرون يؤمنون به، ولا يستطيعون إنكاره، ولكنهم لا يريدون التصريح به، لأنهم يعلمون أن التصريح بذلك سيدفع بشكل من الأشكال في اتجاه «مأسسة» العمل البرلماني ليصل في نهاية المطاف إلى إشهار الجماعات السياسية وقيام الانتخابات البرلمانية وفقا للنظام الحزبي، والذي هو في قناعتي حاصل لا محالة عاجلاً أم آجلاً.

أغلب النواب من بين هؤلاء، يعلم أن العمل البرلماني لا يستقيم كعمل فردي، ولكنه يكابر ولا يريد الاعتراف بذلك. ولأنه الأقرب إلى استشعار مدى تزايد صعوبة العمل البرلماني وتضخم مسؤولياته، خصوصاً مع اتساع الدوائر التي أضافت إلى أعبائه أعباء أكبر. وها هم النواب، بدلاً من أن يسلكوا الطريق الصحيح لـ«مأسسة» العمل البرلماني وإشهار الجماعات السياسية وقيام الانتخابات على هذا الأساس، يسعون نحو «مأسسة» أنفسهم وزيادة عدد مساعديهم!

للأسف، لست من المتفائلين بأن زيادة أعداد سكرتارية النواب ستجود بفوائد على العمل البرلماني، بل لعلي أقرب إلى القول إن ضرر الأمر سيكون أكثر من نفعه، حيث سيزيد ترهل مؤسسة البرلمان وزيادة التذمر منها!