ثمة سجال حاد يدور هذه الأيام بين الفصائل الفلسطينية بشأن شروط الحوار الداخلي، وبالتالي المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، ومثل ذلك يجري على الساحة اللبنانية، وفي كلتا الحالتين فإن المراقبين المهتمين والحريصين على القضيتين يستغربون أمر أولئك الذين يحاولون الاستقواء بالخارج على أشقائهم الداخليين بأي ثمن كان، وألا يقبلوا منهم أي موقف أو كلام يصدر من الطرف المحاور حتى لو كان من صلب المبادئ التي يؤمنون بها هم أصلا أو من الشعارات التي لطالما رفعوها هم في وجه خصومهم!
إنه لأمر ممل بل أصبح مقيتاً أن نرى مثل هذا التصرف الذي تقوم به هذه الفئة من السياسيين، والذي صار يتكرر بشكل يومي، ويكاد يصبح لازمة على المستوى الأشمل، أي للطبقة السياسية العربية والإسلامية الحاكمة في الأقطار المختلفة من بلادنا!لست من المعجبين لا بالديمقراطية الأميركية كما لم أكن يوماً من المروجين لها، ولا أشعر بأي انبهار تجاهها بل إنني أشعر بأن فيها من الكذب والتزوير والخداع والتضليل أكثر مما فيها من القيم العميقة التي يمكن أن تصلح أنموذجا حتى للأوروبيين البيض، فما بالك لنا نحن أبناء العالم الثالث المهمشين والممقوتين من قبل الأنجلوساكسون العنصريين، لكنني تابعت بدقة حدث التفاف العقل الجمعي الأميركي حول ذاته أمام تحدي الخارج وعوادي الدهر من حوله مرتين!مرة عندما قررت هيلاري كلينتون الإقرار بفشلها في اللحاق بغريمها الأسود للترشح عن الحزب الديمقراطي، ومرة عندما استسلم المنافس الجمهوري جون ماكين أمام إرادة التغيير الأميركية الداخلية وقرارها باختيار اللون الأسود أوباما على اللون الأبيض العنصري فماذا اكتشفت؟!ما اكتشفته صراحة أن ثمة شعورا داخليا عميقا لدى الطبقة السياسية المتداولة للحكم عندهم بالإضافة إلى تقاليد متعارف عليها فيما بينهم، بأنه وعندما تحين ساعة الدفاع عن البقاء مجرد البقاء، وتبلغ الأمور أثناء صراعهم الداخلي بين أن تكون أميركا القوة والجبروت أو لا تكون يتوقف عندهم كل شيء، ومستعدون وقتها أن يقدموا كل التنازلات الممكنة من أجل البقاء مجرد البقاء في اللعبة على أن يخسروا اللعبة كلها!أعرف أن ظروفنا نحن وحيثيات قضايانا مختلفة تماما عن أميركا «الملعونة»، وأننا لسنا جزءا من معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ولا قوة عظمى منتشية منذ ذلك الحين في جلوسها على سدة قيادة العالم، وبالتالي فإن شعور السياسي الأميركي يختلف عن شعور «الطفران» عندنا من السياسيين، والذي يمكن أن يقول بسهولة: ما الذي عندي أخسره أصلا، خصوصا بالنسبة للفلسطيني الذي لا يملك حتى أوراق سفر فلسطينية يعتد بها أو يعترف بها حتى بين أبناء جلدته من العرب أو أشقائه المسلمين؟!لكن هذه الظروف بالذات من جهة، وقيم التضحية والإيثار وسائر القيم السامية التي يفترض أننا تربينا عليها جميعا، ناهيك عن تحدي الوجود واللاوجود الذي يداهمنا نحن الفلسطينيين بالذات، والعرب عموما والمسلمين بشكل أعم من جهة أخرى، قد تكون النقطة الأكثر دفعا لسياسيينا بأن يغلّبوا الحس الوطني العام على الحس الحزبي والفصائلي، فضلا عن الشخصنة القاتلة التي تفشت بين سياسيينا هؤلاء!لعل أغلبكم تابع مسلسل باب الحارة السوري الشهير على الفضائيات العربية خلال شهر رمضان المبارك الفائت، الذي أستحضره الآن من خلال كلمة «أبوعصام» الشهيرة عندما تزدحم عليه المشكلات الداخلية والخارجية حتى تكاد تقصم ظهره وظهر عائلته وأسرته وزوجته التي كان يعشقها بالتأكيد، حيث قال في تلك اللحظة الحرجة جدا من ذلك الزحام من المتناقضات التي كانت تحيط به من كل جانب كلمته الشهيرة: «الوطن أهم من أم عصام»!أليس بينكم من يستذكر هذا الموقف، وينتفض من أجل الوطن والقضية الكبرى ويجعل الوطن وأي وطن؟! وطن يكاد يصبح في مهب رياح الأوغاد الذين يتفرجون على نزاعاتنا الداخلية وهم ساخرون، ليقول كلمته التي سيدخل من خلالها بلا شك التاريخ من أوسع أبوابه: «الوطن أهم من فصيلي وحزبي الذي أنتمي إليه وبالتالي أهم من الكرسي الوهم- في مثل حالتنا- الذي أجلس عليه»!إننا بانتظار مثل هذا البطل في ميدان السياسة وليس في التلفزيون فقط!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني
مقالات
الوطن أهم من أم عصام أيها المناضلون!
10-11-2008