حفلة... لتقطيع أوصال الوطن!
حديثنا اليوم سيكون عن «اللسان»، وقانا الله وإياكم شر ما يصدر عنه، وما يخرج منه هذه الأيام!لسان الإنسان أيها السادة، مذموم ملعون منذ فجر التاريخ، وقد حذر من «فلتانه» كل العقلاء والحكماء عبر الأزمان... إليكم عينة صغيرة مما قيل في ذمه، إذ قال العرب قديما: «من حكَمه لسانه... أفسد شانه»!وأنشد كعب الأشعري قائلا:
رأيت اللسان على أهله... إذا ساسه الجهل ليثا مغيراً! وزعموا أن لقمان الحكيم وعظ ابنه فقال له: لا شيء أطيب من اللسان إذا طاب... ولا أخبث منه إذا خبث!وتذمر الإسكندر المقدوني يوما من قلة الخطباء في جيشه فقال: أعطني لسان خطيب واحد... وخذ مني ألف مقاتل!لعلكم الآن تعجبون وتتساءلون عن مناسبة هذا الحديث عن اللسان؟!مناسبته باختصار، أنه أصبح لدينا في الكويت، ومنذ أن بدأ المرشحون حملاتهم الانتخابية، فائض كبير في عدد الألسنة الصائحة والنائحة والهائجة والمتذمرة والمتنمرة والثائرة على كل شيء، ونظرا لزيادتها عن الحاجة، نفكر جديا بتصديرها للخارج!والألسنة أيها السادة، كما تعلمون، أو لا تعلمون، أنواع وأصناف متعددة:- لسان ينطق بالحكمة والنقد الهادف، لا يمل العاقل سماعه الدهر كله، ولسان ينطق بالسفاهة والبذاءة واللؤم، تتمنى لو أن صاعقة نزلت عليه وأخرسه للأبد!- لسان ينطق عن ضمير حي وإحساس عال بالمسؤولية، يحيي بكلماته الضمائر والقلوب، ولسان ينطق عن ضمير ميت، يقتل العزائم والهمم في النفوس!- لسان طيب يجمع أبناء الوطن الواحد على المحبة والتعاون والتآلف بينهم، ولسان خبيث، يثير الشحناء والبغضاء والكراهية في صفوفهم!- لسان يفيض عطاء وحبا للوطن، يقرب المتباعدين ويجمع المختلفين من أبنائه، ولسان يبحث عن أمجاد شخصية، بإثارة الفتن بين المتحابين والمتوادين منهم! - لسان يصنع من صاحبه بطلا في عيون السذج والبلهاء، ويجعل منه، في الوقت ذاته، أضحوكة في مجالس العقلاء والحكماء والعارفين ببواطن الأمور!موسم الانتخابات، موسم تتحول فيه ألسنة بعض المرشحين، في مجتمع لايزال غير مدرك لمعنى الديمقراطية الحقيقي، إلى قاذفات للصواريخ، تقذف صواريخ فتنها الطائفية والعنصرية تجاه الجميع دون تمييز، وإلى سكاكين مسنونة حادة تضرب خاصرة الوحدة الوطنية في جنون!إنه يا سادة، موسم الألسنة الهوجاء المنطلقة بأقصى سرعتها في كل اتجاه، تفتك بكل من يقف في وجهها.صراخ في كل مكان، خطب حماسية عامرة بالتهديدات والاتهامات بغير دليل، والكل على عجلة من أمره، يريد استثمار طاقاته اللسانية لأقصى حد ليتفتت هذا الوطن ويتحول إلى قطع صغيرة متناثرة «سنة... شيعة... بدو... حضر... كويتي أصلي... كويتي تقليد».ولا يهم أي منهم كم سيكون الثمن؟ وعلى حساب من؟ فالمهم، أن تتحقق أحلام الطامحين في الجلوس على الكرسي الأخضر «الساحر» الذي أصابهم بسعار نيابي لا حل ولا علاج له!ولأننا شعب مولع بالصوت العالي، تدهشنا القدرات «الحنجرية» للمرشحين، وتبهرنا كلماتهم الغاضبة الثائرة التي نطرب لسماعها، دون أن نتفكر لحظة في نتائجها الكارثية على حاضرنا، وآثارها المدمرة على مستقبل أبنائنا.ولأن ما يهمنا في الدرجة الأولى هو هياج عواطفنا واستثارة نزعاتنا العنصرية والطائفية نحو الآخرين، فقد شاركنا بفعالية كبيرة في هذه الحفلة «اللسانية» التي يتم فيها تقطيع أوصال الوطن، وتجري أحداثها على الساحة السياسية هذه الأيام، وقمنا بتشجيع أبطالها على التمادي وتجاوز كل الخطوط الحمراء والخضراء والصفراء! حتى أصبح الجميع يحلم بأن يصبح بطلا شعبيا على حساب غفلتنا، وفي ظل غياب تام لوعينا وحسنا الوطني.فهلا فكرنا لحظة، كمواطنين مخلصين لهذه الأرض، في مستقبل هذا الوطن الذي يظلنا بظله، ويجمعنا حبه، ويهمنا جميعا أمنه واستقراره ونماؤه، وهلا فكرنا لحظة، بأن نقاطع هذه الأصوات المزعجة، ونكبح جماح ألسنتهم المسعورة التي تنهش في جسد الوطن المثخن بالجراح، وأن نعطيهم أذنا من طين وأذنا من عجين، ونختار هذه المرة أصحاب العقول النيرة والأفكار المتجددة والطرح الهادئ، بدل الصراخ بلا فائدة أو معنى؟! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء