يبدو أن «مافيات» الفساد وأصحاب النفوذ كانت لهم الكلمة الفصل حتى في قضية البيئة، حيث حاول البعض الاستيلاء على مليارات الأمم المتحدة من أجل مكاسب خاصة وضيقة لا علاقة لها بالمصلحة العامة.

Ad

سوف تخسر الكويت في غضون الأيام القليلة المقبلة مبلغ ثلاثة مليارات دولار، هي قيمة التعويضات التي أقرتها الأمم المتحدة عن الأضرار البيئية التي ألحقها نظام صدام حسين بالبلاد أثناء الغزو الغاشم عام 1990، وما يدعو للأسى على حالة التردي التي أصبحت عليه البلاد لا يتعلق فقط بالضرر المادي الكبير لهذا المبلغ وخاصة في ظل تراجع أسعار النفط، أو فلسفة الإهمال الحكومي في حماية الأموال العامة ولكن على العقلية المتخلفة في التعاطي مع أمهات القضايا المعاصرة وفي مقدمتها قضية البيئة وتداعياتها والمشاكل المترتبة عليها.

ومما يؤكد الإصرار الحكومي على هذا النوع من التخلف أن هذا الموضوع قد تمت الإشارة إليه في أكثر من مناسبة، فكان أحد محاور الاستجواب المقدم لوزير المالية الأسبق قبل سنوات عدة وتم التنبيه عليه والتحذير من إهماله عبر المداخلات النيابية والأسئلة البرلمانية من أكثر من جهة، ولكن دون جدوى حتى وقعت الفأس في الرأس!

والمشكلة أن عقدة التأزيم السياسي أصبحت بعبعا وسيفا مصلتا على رقبة مجلس الأمة للمحاسبة الجادة على هذا النوع من الأخطاء الجسيمة وبسبق الإصرار والتعمد. وإذا استمر الحال هكذا وفي ظل محاولات تشويه الديمقراطية وتكفير الناس بدور البرلمان الرقابي، فإن مثل هذه الأخطاء القاتلة والتي أصبحت شبه محصَّنة من الحساب والعقاب تنذر بأخطاء لا يعلم مداها سوى الله عز وجل.

وعودا على قضية التعويضات البيئة فإن الأمم المتحدة اشترطت للحصول على هذا المبلغ الضخم أن تبادر الحكومة بإعداد خطط وبرامج لمواجهة المشاكل البيئية إضافة إلى التخلص من تبعات الأضرار والمخلفات التي سببها العدوان الصدامي قائمة على دراسات علمية وإقامة البنى التحتية وتأسيس المراكز المتخصصة أو بمعنى آخر إحداث نقلة نوعية متميزة في كل ما يتعلق بالشأن البيئي وفلسفته ومتطلباته وقدرته على تدشين سياسة تنموية.

وفي المقابل لم نسجل قمة الفشل في تحقيق هذا الطموح فحسب، بل عجزنا حتى في التفكير الجاد لتوجيه مثل هذا المورد المالي في معالجة تفشي الأمراض العجيبة والغريبة التي تحولت إلى غزو جديد بدأت آثاره المباشرة في الظهور لتحصد أرواح الأطفال والشباب في عمر الزهور وبدأ التلوث البيئي يهدد حياتنا المائية بما في ذلك الثروة السمكية ومياه الشرب وتوقفت مشاريع التنمية الصناعية الصديقة للبيئة بسبب القصور الكبير في الإمكانات العلمية والفنية والبشرية لمؤسسات البيئة وفي مقدمتها الهيئة العامة للبيئة.

ولنتخيل أن الحكومة قد باشرت بالفعل قبل تلك البرامج منذ عشر سنوات، خصوصا أن مشاريع البيئة والمحافظة عليها وتطويرها ليس لها أي أبعاد سياسة فيما يتعلق بالتناحر والتنافس بين السلطتين أو فيما بين التيارات والقوى السياسية أو على صعيد ما بات يعرف بالقرارات الشعبية ودغدغة مشاعر المواطنين!

ولكن يبدو أن «مافيات» الفساد وأصحاب النفوذ كانت لهم الكلمة الفصل حتى في قضية البيئة، حيث حاول البعض الاستيلاء على مليارات الأمم المتحدة من أجل مكاسب خاصة وضيقة لا علاقة لها بالمصلحة العامة... ومن أمثلة ذلك محاولة السطو على معهد الأبحاث وتحويله إلى مؤسسة خاصة يملكها خمسة أشخاص، ومن جانب آخر تدخل بعض أصحاب النفوذ أيضا في تعطيل بعض المؤسسات والشركات التي تقدمت برامج طموحة للتخلص من مخلفات الغزو رغم اعتمادها من الجهات الرقابية والمسؤولة في الدولة ومحاولة الدخول عنوة في الشراكة المباشرة في هذه المشاريع وعندما عجزوا عن ذلك نجحوا في إيقاف مشاريع البيئة كلها رغما عن الحكومة!

ويبقى عزاؤنا الوحيد بعد ضياع الثلاثة مليارات دولار لبناء دولة صديقة للبيئة في مجموعة الأطفال والشباب المتطوعين في جمع النفايات والمخلفات عن شواطئنا بعد أن تركها المواطنون والمقيمون في حالة يرثى لها بعد الانتهاء من جلسات الشواء و«السمرات» الليلة... فماذا نجيب هؤلاء الفتية المخلصين بعد أن أهدرنا من ثروتهم الوطنية هذا المبلغ الكبير مرة أخرى؟!