اشتهر الفنان القدير شادي الخليج، واسمه عبدالعزيز خالد المفرج، بأغنياته الوطنية وألحانه التراثية المعبِّرة، إذ شكّل مع الشاعر عبدالله العتيبي والملحّن غنام الديكان ثلاثياً غنائياً يتسم بروح التراث والأصالة. كانت جهوده في الحفاظ على التراث الغنائي الكويتي سبباً في حصوله على جائزة الدولة التقديرية عام 2003.
عشق شادي الخليج الفن منذ صغره، وأحبّ الرياضة والحياة الكشفية التي كانت سبباً في إبراز موهبته الصوتية في الغناء. كان أحد أفراد الكشافة في المدرسة الأحمدية عام 1954 التي حفلت بحفلات السمر. التقى عام 1956 بالفنان محمد التتان الذي سمع صوته وأُعجب به، فطلب منه زيارة مركز الفنون الشعبية التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لأن المركز كان بحاجة إلى شباب كويتي ذوي موهبة صوتية. زار شادي الخليج فعلا المركز عام 1958 وهناك التقى مجموعة من الفنانين من بينهم: حمد الرجيب، سعود الراشد، أحمد باقر، أحمد الزنجباري، عبدالحميد السيد، والنهام راشد الجيماز. أخذ يتردد على المركز من حين إلى آخر حيث يستمع إلى الألحان الشعبية ويتابع الحوارات التي تدور حول الفنون والتسجيلات الصوتية التي كان يسجلها آنذاك الفنان اللبناني الراحل عدنان حامد. أول أغنيةأعدّ الفنان أحمد باقر عام 1960 لحناً لأغنية «لي خليل حَسين»، من كلمات الشاعر أحمد العدواني، ليغنيه شادي الخليج. بدأت البروفات الموسيقية لتسجيل ذلك اللحن مع الفرقة الموسيقية الجديدة التابعة لإذاعة الكويت وبعض الفنانين من مركز الفنون الشعبية. تعتبر تلك الأغنية البداية الحقيقية لانطلاقة شادي الخليج والأغنية الكويتية الحديثة. يقول مطلعها: لي خليـــــــــل حســـــــــــين يعجــب الناظريــنجيت أنا أبغي وصاله «كـــــــــــود» قلبـــه يلــينإنها من الأغنيات البحرية المطوّرة في أسلوبها وكلماتها ونوعية الغناء «الكورالي».الدراسة في مصرالتحق شادي الخليج بالمعهد العالي للتربية الموسيقية في جمهورية مصر العربية مع نهاية عام 1960، وعلى الرغم من ذلك لم تؤثر الدراسة كثيراً في نشاطه الفني ولم يتوقف عن الغناء، بل قدّم مجموعة من الأغنيات العاطفية والوطنية، من أبرزها أغنية بعنوان «لا يا قلبي»، من كلمات الدكتور عبدالله العتيبي وألحان أحمد باقر، وقد سجِّلت في القاهرة عام 1964. يقول في مطلعها:لا يا قلبي خايف أكشف حبـي وأشرح غرامـــيلايا قلبي يبعد عني ويزعــل من كلامـيما يحاجينــــي ويصـد أسهـر ليالـــــيمن صـدوده يزيد شوقي وانشغالـــــيقدّم بعدها أغنيات عدة منها: «كويت والعرب»، «صدى الماضي»، «يللي شغل بالي» و{تقول نسيت» ومجموعة من أغنيات فن الصوت شاركت في تطويرها مجموعة من الملحنين، أبرزهم الفنان القدير غنام الديكان والراحل مرزوق المرزوق. من تلك الأعمال صوت «في هوى بدري وزيني».انقطاع ثم عودةتوقّف شادي الخليج 11 عاماً عن الغناء، ثم قرر عام 1976 العودة لتقديم أعمال عاطفية إلى جمهوره. في 28 أغسطس (آب) 1976، شهد استديو 46 في مبنى «ما سبيرو» في إذاعة القاهرة ولادة أول أغنية عاطفية يسجلها بعد غيبة طويلة بعنوان «حالي حال» بمرافقة فرقة عبدالعظيم محمد، وقد شارك فيها أكثر من فنان كويتي أمثال: عبدالرؤوف إسماعيل، سعيد البنا، نجم العميري، حسين أمين، زكريا عامر، يوسف المهنا، سعيد المصري للمونتاج، وملحن الأغنية غنام الديكان، ومؤلفها الشاعر الدكتور عبدالله العتيبي. سُجلت الأغنية العاطفية الثانية للفنان شادي الخليج بعد عودته، وهي بعنوان «سدرة العشاق» ومن ألحان غنام الديكان. سُجلت تلك الأغنية بشكل مطوَّر واعتبرت نموذجًا ممتازا لكل من يريد أن يقدم لحن الصوت بروح حديثة، أو يبحث في المستوى الجيد لتطوير الفنون الشعبية القديمة في مراحل الأغنية الكويتية الحديثة، يقول الشاعر مبارك الحريبي فيها:يــا ســـدرة العشـــــاق يـــــاحلــــــــــوة الأوراقبقعــد أنا بالفـــــــــي انطــر حبيبي أشــويما عنـدي غيره شـي ملـزوم عـــــليَّ اشتـــــاق.ملحّنون وشعراءتعاون شادي الخليج مع عدد كبير من الشعراء، أبرزهم المرحوم محمد الفايز الذي قدم له من ألحان الديكان أوبريت «مذكرات بحار» عام 1980 الذي يُعتبر من أبرز أعماله الغنائية التلفزيونية. تعبر كلمات الأوبريت عن صراع البحار الكويتي مع الحياة والرزق في باطن البحر، وقد اختار 150 بيتًا من ديوانه. قدِّم في حفلة خاصة لضيوف مؤتمر وزراء التربية لدول الخليج العربي الذي عُقد في الكويت من 30 مارس (آذار) حتى 1 أبريل (نيسان) 1980، كذلك صوِّر تلفزيونيًّا وأخراجه محمد السنعوسي، وقد فاز بالجائزة الأولى في مهرجان الخليج للإنتاج التلفزيوني لدول مجلس التعاون عام 1982 في الكويت. من كلمات الأوبريت:يا جارتـي سيعــود بحـــــــــاري المغامـــــــــــريا جارتي سيعــود من دنيــــا المخاطـــــــــــربالعطر والأحجار والماء المعطر والبخـــــورولقـــاؤه لما يعود كــأنــه بــدر البــــــــــــدوروحصل العمل على الجائزة الذهبية، عندما مثّل الكويت في الندوة العالمية للإذاعيين في سيول تحت شعار «إلى تعاون أعمق بين الجنوب والجنوب» من 22 إلى 31 أكتوبر (تشرين الأول) 1984م. شاركت الفنانة سناء الخراز في العمل ومجموعة من طلبة وطالبات وزارة التربية وفرقة التلفزيون للفنون الشعبية.قوافل الأيامتعتبر أغنية «قوافل الأيام» إحدى الروائع الغنائية التي قدمها شادي الخليج بعد أغنية «مذكرات بحار». الجديد فيها هو لحنها، حيث يتكون من إيقاعات متعددة، استخدم فيها الديكان للمرة الأولى إيقاع «السنكني»، وأكثر من أسلوب غنائي باستخدام الإيقاعات الشعبية المختلفة، بالإضافة إلى أن الملحّن ربط ألوان لحن الصوت العربي بالخيالي والصوت الشامي في تسلسل غنائي واحد. يعتبر اللحن بحق تجديدا من ناحية الكورال، وأول لحن كويتي يوزّع توزيعًا كوراليًّا بجانب التوزيع الأوركسترالي الذي قام به المايسترو يوسف السيسي... يقول فيهقوافـــــل الأيــــام جاءتنـــا من المــاضــي تحـيـي ركبنــاوقائــد الأيـــــام ماضينــا إلـى التاريــخ يهدي دربنـــابدايــة الحــاضر المهــيــب حكايـة الحــب والحبيــبحكاية الحب حـين يعطــــي ملامـح الفجـر للغـــروبكعادته السنوية، يشدو «شادي الخليج» أغنية جديدة في العيد الوطني، ويتشاطر شعبه ووطنه الفرحة والبهجة، ففي عام 1982 قدم رائعته «أنا الآتي» من شعر العتيبي وألحان الديكان، تجسِّد معاني عدة، بإيقاع يستخدم للمرة الأولى «العدساني البحريني»، تقول:وفي صبر الرجال السمـر بيــن المـــــوج والظلمــــةوفي الأسفـــــار والغربـــــــــــــة وليل الغــوص والكربــةأغني رغــم آهـــاتـــــــــــــــــــــي وأحلـم بالغــد الآتــــــــي.قصيدة الزمان العربيمن أعمال الثلاثي شادي الخليج ود. العتيبي والديكان، قصيدة «الزمان العربي» التي وزّعها سعيد البنا. قدِّمت في حفلة ختام مهرجان الخليج الثالث للإنتاج التلفزيوني عام 1982، وقد أخرجها للتلفزيون فيصل الضاحي. الأغنية مزيج من القصيدة وأجزاء من الفولكلور الخليجي المتوارث. استخدمت في تلحينها جمل وألحان خليجية متوارثة، حيث تجد فن «العدساني» و{الخماري» والتوشيح وصوتا شاميا والعرضة البرية والبحرية. من كلماتها:إذا رأيـــــت سمـــاء لا يفــــارقهــــــــــادفء الشمـــوس ولا إطلالـة القمــــروإن عبـرت حـــدوداً لا تبارحهــــــــــاغمائـم الحسـن تتــرى حلوة الصـورقـلادة الزمــــــن الماضـي ومبـــــــدؤهيخضــر شـوقـاً إليهـا سالف الزمـنحديــث السـورقدّم الشادي في 25 فبراير (شباط) 1988، ولمناسبة العيد الوطني، على مسرح «قصر بيان»، الملحمة الغنائية «حديث السور»، من كلمات العتيبي وألحان الديكان. قدّمت في ذلك العمل خمس لوحات استخدم فيها الديكان الإيقاعات الكويتية المعروفة، منها الصوت والتوشيحة والسامري والإيقاع الدوسري، شارك بالحركات والرقص فرقة التلفزيون. من كلمات حديث السور:هــــذا حديــث الســـــــور وحكـمــــة العــصــــورحكـــايـــــــة ستبــقــــــــــى مكتــــوبــــة بالــنــــورعلــى مــدى الدهـــــــــور هــذا حديــــث الســـــورالعيد الوطنيقدم الشادي لمناسبة العيد الوطني عام 1992، أغنية وطنية بعنوان «الكويت»، ألحان العمل متنوّعة يغلب عليها النغم الشعبي الخليجي الصميم، ، كلمات العتيبي وألحان الديكان، يقول فيها: نحـن أجلنـا أغانـي العيــــد للعيـد السعيــدحيـن يأتي أهلنـا الغيـاب من سجن العبيدحيـن ينمو شجر الصبر على قبر الشهيـدحيـن يأتي يا كويـت حلمنـا العذب السعيديــــوم تحـديـــد المصائــــــرقـادنـا للنصــر جابـــــــــــــرمعــه الحـــــر المنـاصـــــــــرسعـدنـا كالسيـف باتـــــــــرأما آخر عمل غنائي جمع الثلاثي، العتيبي وشادي الخليج والديكان، فقد جاء بعد وفاة العتيبي وقدّم في حفلة تخريج مركز الدراسات الموسيقية عام 1995 ومن كلماته: تاريخــك يا وطني ملحمــةما زالـت في خلـد الدهــــــرتـرويهــا الأيام وترفعهـــــــــافي وجـه الغــادر والغــــــدريا وطـن يا أبوابـاً فتحـــــتللقــاء البـر مع البحــــــــــــرمن أجلك أقطف يا وطنيأزهـــاراً مـن نـــور الفجــــريالإماراتي سلامفي ديسمبر (كانون الأول) 1996م، قدّم الشادي أغنية بعنوان «يالإماراتي سلام»، من ألحان الديكان وكلمات الشاعر الإماراتي عارف الخاجة، وهو ثاني شاعر خليجي يغني له الشادي بعد الشاعر السعودي الأمير خالد الفيصل. قُدمت الأغنية بمناسبة العيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، تقول كلماتها:شـاقنــي صـوت الحمــــــاملـــي ترنــــــــــــم بالغــــــــــرامقـال والأحــلام ترقــــــــــصيالإمـــاراتي ســــــــــــــــــــلامحكايـــة وطـــنأوبريت «حكاية وطن» هو آخر عمل لشادي الخليج، من تأليف د. يعقوب الغنيم وتلحين الديكان، وقدمته وزارة التربية في قصر بيان عام 2001. يتناول الأوبريت ملحمة أهل الكويت في بناء نهضة وطنهم والدفاع المستميت عن استقلاله. تقول كلماته:يـا بــلادي أنـت رمـــز الكبــريــــاءأنت رمــز العـــز عنــــوان الإبـــــاءقـد عـلا صوتــك في كل سمــــاءفتخطـى الشعـب ألـوان العنـــــــاءومضــى للمجــد مرفــوع اللـــــواءاحتلال الكويتخلال فترة احتلال الكويت بين عامي 1990-1991م، قدم الشادي خمسة أجزاء من أشرطة «الله أكبر يا كويت»، وقد لاقت رواجاً كبيراً لما تتمتع به من غناء مؤثر وإبداع فني، بالإضافة إلى الكلمة القوية واللحن المناسب، منها أغنية بعنوان «نصر الكويت»، من كلمات العتيبي وألحان الديكان. تقول كلماتها: اعــــزف على أوتـــــــار قلــب الكويــــــت تــأتـي لك الأنغــــــام من كل بيـــــــــــــــت يـأتيــك لحـــن عبقـــري الصــــــــــــــــدى يعطـــر الدنيــا بذكـــر الكــويـــــــــــــــــــت.الأغنية الثانية بعنوان»أنا الكويت»، تقول:أنــا للريـــاح الجامحـــــة لجـــــــــــــــــــــام وأنا بــك من الصامديـــن حســــــــــــــام أنـــــا نهمـة البحـــار في أهـوالــــــــــــــــه أنـــا نخــوة البـدوي حين يضـــــــــــــــــام والأغنية الثالثة، من ألحان الديكان وكلمات العتيبي، بعنوان «في صوت الشهداء»، يقول فيها: يــا نجــوم هـوت فــوق أرض الجـــــدود وارتفعتـم بها في سمـــاء الخلـــــــــــود أنتــــــم الأوفيـــاء أيـهــا الشهـــــــــــــــداء قـد وفيتــم لهـا والليــالــي شهــــــــــــــود أما الأغنية التي لحنها الفنان يوسف المهنا من كلمات العتيبي، فهي بعنوان «كل العالم»، قال فيها:في وجـــه الطـــــوفــان الأســــــــــــــــــــود كــــــل الـعـــالــــم فليـتــــوحـــــــــــــــــــــــــــد حتــى نحفـــظ وجــــه الـــدنــيــــــــــــــــــــا وغيـــوم الــرحـمــــــة لا تتـــبـــــــــــــــــــدد من الأغنيات الوطنية الناجحة التي قدمها شادي الخليج أغنية «حنا العرب». كتب كلماتها الشاعر الأمير خالد الفيصل ولحنها غنام الديكان. تقول كلماتها:حنا العرب يا مدعين العـروبة وحنا هل التوحيد وأنتم له أجناب وحنا شروق المجد وأنتم غروبه وحنا هل التاريخ وأنتم به أغـرابجــائــزة الدولـة التقديـريــةفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، أعلن الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدر الرفاعي أسماء الفائزين بالجوائز التي أقرّت من قبل اللجنة العليا لجائزتي الدولة التقديرية والتشجيعية، ووزعت في مهرجان القرين العاشر في العام نفسه والتي تضمنت مجموعة من الشخصيات العامة من ذوي الاختصاص والمشهود لها بالكفاءة والخبرة والموضوعية. حصل المفرج «شادي الخليج» على جائزة الدولة التقديرية من بين هذه الكوكبة المتميزة من أبناء الكويت، فهو الذي دخل ميدان الموسيقى عن طريق الدراسة الأكاديمية، ثم ما لبث أن برز وأبدع في تقديم الفن الكويتي الأصيل في ثوب من الجدة، وأضفى عليه صفة العصرية، وحلّق به إلى فضاءات جديدة كانت كفيلة بوصوله إلى آلاف المستمعين والمتذوّقين.حمدا لله على السلامةفي سبتمبر (أيلول) 2004، عاد الفنان شادي الخليج إلى أرض الوطن بعد رحلة علاجية تكللت بفضل الله بالنجاح. حرص أهل الديرة من المعجبين والمحبين على استقباله بحفاوة بالغة. أعلن بعدها عودته إلى الغناء العاطفي من خلال شريط يضم أربع أغنيات طويلة، أنجز موسيقاها في القاهرة الفنان غنام الديكان.اسم الشهرة أطلق الفنان الراحل حمد الرجيب على عبدالعزيز خالد المفرج لقب «شادي الخليج» تداركاً لظروف عائلية واجتماعية كانت تحيط به، في بداية مسيرته الفنية.
توابل
شادي الخليج... تراثٌ وطنيّ وألحانٌ خليجيّة متوارثة
29-09-2008