تفتقد حياتنا الأسرية اليوم الكثير من عوامل مقاومة التأثير القادم من الخارج، ويساهم التعاطي السياسي في المجتمع الكويتي في زعزعة الثقة بالمثل العليا في حياتنا الاجتماعية إلى درجة تفضي إلى حالة من انعدام الوزن وضعف الحديث عن أدبيات التربية في مقابل تنامي الرغبة في التفوق المادي والمباهاة به.اختلطت الأدوار وزحفت الماديات والمؤثرات الخارجية على الاسرة الكويتية الى درجة لم يصبح معها الاب ابا، ولا الأم أما في الأدوار الاجتماعية المعهودة والمطلوبة، ولا يستطيع احدنا اليوم ان يدعي انه على علم بكل تفاصيل ما يدور في منزله، فالمؤثرات كثيرة والاوقات التي يقضيها افراد الاسرة خارج المنزل ربما تكون متساوية او اكثر من الاوقات التي يقضونها داخل المنزل في اجتماع اسري، وهذا ما يتسبب بشكل مباشر في تبديل الادوار بين الام والاب في رعاية الاسرة.
تغيير نمط العلاقات
تمويل الاسرة وتكاليف تسيير أمورها تبدو انها الاكثر تأثيرا في تغيير نمط العلاقات الاسرية، فتعدد مصادر التمويل بين الرجل والمرأة، وربما بعض كبار الاسرة، يفرض نوعا من السلوك الاستقلالي الذي قد يوظف توظيفا سلبيا في رسم العلاقات الاسرية، فيصبح من يساهم في تسيير اعمال المنزل وافراد الاسرة شريكا في الكلمة والرأي والادارة، حتى وإن كانت هذه الشراكة تتم بشكل سلبي، هذا فضلا عن تنامي الشعور بالفردية لدى من يملك القدرة على تحويل جزء من تكاليف الاسرة.
تأثير السلوك الاستهلاكي
تقبع الاسرة الكويتية اليوم تحت تأثير الديون الاستهلاكية الى درجة ان الحركة السياسية في البلاد اصبحت اسيرة آفات اجتماعية تتسبب في ازمات سياسية، كما هو الحال في المطالبات المتكررة بزيادة الرواتب او اسقاط القروض وتوزيع المنح، ويصدق ما نرمي اليه عدد السجناء بسبب جرائم التعاطي والاتجار بالمخدرات.
الحديث عن الجانب الاخلاقي الذي نشرنا بشأنه حلقتين متتاليتين، وكانت الاولى عن أخلاقيات العمل السياسي، والثانية عن اخلاقيات الوظيفة العامة، يعبر عن حلقة واحدة ومتكاملة وهو حديث متصل، فالآفات السياسية والادارية والاقتصادية والاجتماعية كل متكامل، فأي تدنٍ في المفاهيم الاخلاقية ينتقل تباعا الى التراكيب الاجتماعية والمؤسسية معا، وهذا ما يلاحظ في تفشي الرشاوى والواسطة والفساد الاداري وتكاسل الموظفين.
وينظر المواطنون والقاطنون في البلد الى اللاعبين السياسيين على اعتبارهم قدوة في سلوكهم اليومي، سواء كانت القدوة ايجابية او سلبية، فخطأ السياسيين يعطي «رخصة» غير مباشرة لممارسة المواطن العادي شكلا من اشكال الفساد والتردي الاخلاقي في حياته وسلوكه.
مفهوم الأسرة
ولا يمكن بالطبع الحديث عن مفهوم الاسرة في يومنا هذا، كما هو الحديث عن الاسرة في السابق من الزمن، فنحن نواجه اليوم مجتمعا مختلطا بالجنسيات المختلفة، وفيه من المعالم والمؤشرات المستجدة الكثير كالفضائيات والانترنت وسهولة الحصول على المعلومة، والثروة الجنسية وحمى الموضة ومقاييس الجمال، والاعتماد على الخدم، وانتشار المخدرات، وضعف الوزاع الديني، وتآكل درو المؤسسات الدينية واختلاط العمل الاجتماعي بالسياسي، وضعف مناهج التعليم، وابتعاد وسائل الاعلام الوطنية عن الهم الأسرى والاجتماعي، فكل هذه آفات أثّرت في طبيعة الأسرة الكويتية وعلاقات أفرادها، هذا فضلا عن انشطار الأسرة الكبيرة الى أسر صغيرة بسب السياسات الإسكانية، والاستقلالية النابعة من توظيف المرأة في الجهاز الإداري للدولة.
مجتمع مختلط
تعداد الكويتيين حسب إحصاء ديسمبر 2007 يصل الى مليون و590 ألف و461 فردا، يشكلون 223 ألف و153 أسرة، في المقابل يعيش معهم 2 مليون و345 ألفا من جنسيات أخرى، قد تفوق الـ120 جنسية!.
ولاشك في أن هذا الخليط يحمل من السلوكيات والثقافات والأطباع ما يؤثر حتماً في الجوانب الاجتماعية والسلوكية للكويتيين سواء بالايجاب أو السلب، ويجب الإشارة هنا الى ان عدد غير الكويتيين من فئة العزاب كبير جد، إذ يصل تعدادهم الى 987638 عازبا، بين رجل وامرأة، ويفرض هذا الكم سلوكا اجتماعيا مركبا تظهر آثاره في مناطق مغلقة ومختلطة الجنسين، كما هو الحال في نموذجي منطقة خيطان وجليب الشيوخ، إذ ينتج عنها ما يسمى بـ«الجريمة اليومية المنظمة».
أسئلة صعبة
وقد أصبح من التقليدي الحديث عن الشراهة الاستهلاكية لدى المواطنين، بسبب نظام الاقتصاد الريعي، ولم يعد الحديث عن حب التملك والاحتكار في مجال الماديات والسفر والخروج المتكرر من المنزل شيئا جديداً، بل ان الطابع العام في تعامل الدولة مع ثروة النفط وخضوعها لمطالب شعبوية أدت الى بروز مظاهر جديدة، فحسب الاقتناء والتخلص من القديم شمل حتى مؤسسة الزواج، فظهرت قضية تعدد الزواج وكثرة الطلاق أيضا.
أمام هذه المتغيرات التي لا يختص بها مجتمعنا الكويتي فحسب، يبدو التعطيل واضحاً في المؤسسات المعنية بالتربية والتوجيه ومواجهة المتغيرات الاجتماعية بعقلانية متزنة وواعية، فقواعد الضبط والربط داخل الأسرة تضعف مع الوقت، والفساد السياسي يلف سلوك معظم المؤسسات الموجودة بما فيها تلك المسؤولة عن التربية والتوجيه القيمي.
إذن ما هو الحل؟ هنا السؤال الذي نطرحه على القراء، والذي نختم به ملفنا الاخلاقي، لنعود الى القول إن اي اصلاح ومن اي نوع كان، لابد ان يكون جزءاً من إصلاح سياسي شامل يخلق مفهوم القدوة، التي يتطلع إليها الجميع في السياسة والتربية والادارة، ومن غير ذلك سيكون الحديث عن الاخلاق اجترارا من مخزون الماضي.
الأسرة الكويتية... مؤشرات وأرقام• كشفت دراسة لبيت الزكاة نُشِرَت في عام 2007 بشأن انفاق الأسرة الكويتية تبين فيها الآتي:
• 70 ألف أسرة تصنف على أنها محدودة الدخل.
• 25 ألف مدني عليهم أوامر ضبط وإحضار.
• 88% من دخل الأسرة الكويتية يذهب إلى خدمات وسلع تجارية.
•800 دينار هو متوسط انفاق شهري للأسرة المكونة من 5 إلى 6 أشخاص.
• تداول مؤتمر «التحديات المعاصرة للإدارة المالية للأسرة الكويتية» الذي أقامته جمعية الاصلاح الاجتماعي في عام 2000، عدداً من الأرقام المهمة ومنها:
• المواطن الكويتي الأكثر استهلاكا للكهرباء والماء والنفط في العالم.
• 5000 دولار هو معدل الصرف الشهري للمعيشة للأسرة الكويتية.
• 20% إلى 50% هي نسبة اقساط من دخل الأسرة.
• 25% من جرائم الجنايات والجنح تخص جريمة إصدار شيكات بدون رصيد.