وما الضير في أنها يهودية؟!
إن أكبر خطأ ارتكبه العرب هو أنهم لم يفرقوا بين الصهيونية واليهودية، وهو أنهم أخذوا الصالح بجريرة الطالح، وعادوا اليهودية كدين وليس الصهيونية كحركة سياسية.
غضب بعض العرب غضبة غضنفرية لأن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، أطال الله عمره، عين سيّدة يهودية سفيرة في الخارجية البحرينية، فهؤلاء رأوا في هذه الخطوة العظيمة والمباركة التي تدل على اتساع الأفق وعمق الإدراك إهانة للعروبة التي يقف على شاربها النسر، وللإسلام ليس حسب مفاهيمه السمحة والمتسامحة إنما حسب ما يعتقده المتطرفون المعقّدون من أمثال أبو حمزة المصري وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن. لماذا لا تعين مواطنة بحرينية كفؤة ومؤهلة حتى وزيرة في مجلس الوزراء، فالتعامل مع الناس على أساس مذاهبهم ومعتقداتهم، وليس على أساس مواطنتهم وولائهم لوطنهم، وتفانيهم في خدمته، ليس مخالفاً لمواصفات العصر بعد ثمانية أعوام من بدء الألفية الجديدة فقط، إنما عودة لماضٍ لا تجوز العودة إليه وهو لا يشرف على أي حال؟! بغض النظر عن عدد اليهود البحرينيين وبغض النظر عما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم عرباً يدينون بالدين اليهودي، الذي له كل التقدير والاحترام، على غرار العرب الذين يدينون بالدين المسيحي، فإن متطلبات العصر ومتطلبات مواجهة إصرار بعض الإسرائيليين على الاعتراف بدولتهم كدولة يهودية لليهود فقط، تقتضي أن يأخذ المواطن اليهودي البحريني كل حقوقه التي نص عليها الدستور وألا يعامل كغريب في وطنه الذي يجب، وبالضرورة، ألا يكون له وطن غيره. في عدد يوم الاثنين الماضي نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» تحقيقاً حول باقي ما تبقى من اليهود العراقيين في العراق، والحقيقة أن ما تضمنه هذا التحقيق، أنه لم يتبق من هؤلاء إلا عشرة فقط، يدل على عظم الجريمة بحق فلسطين وبحق بلاد الرافدين وبحق العرب وبحق الإنسانية أن يحدث ما حدث، وأن يُدفع اليهود العراقيون دفعاً لمغادرة وطنهم التاريخي والذهاب إلى فلسطين للانضمام إلى الذين غادروا أوطانهم الأصلية ليصبحوا مواطنين في دولة مخترعة ومفبركة وفي وطن هو وطن غيرهم. جاء في هذا التحقيق على لسان يهودي عراقي رفض الإفصاح عن اسمه واختار أن يعرف بـ«حفيد صالح» أنه يؤدي الصلاة في منزله بسبب إغلاق معبدهم الوحيد بعد الحرب: «إذا أعدنا فتح هذه المعبد فسيتم استهدافه... ليس لي مستقبل هنا فليس بمقدوري الزواج نظراً لعدم وجود فتاة يهودية أرتبط بها... لا أستطيع ارتداء (كوفا)، الطاقية اليهودية المميزة، خارج المنزل... أما إذا رحلت عن العراق فسأتمكن من مشاركة الآخرين في الأعياد وفي أداء الصلوات في المعبد والبقاء مع أسرتي».قال وزير الشرطة الإسرائيلي الأسبق (حزب العمل) موشيه شاحال إن اسم عائلته السابق عندما كانت لاتزال في العراق قبل قيام دولة إسرائيل هو: «فتَّال» وإنه كان لمدة سبعة أعوام تلميذاً في المدرسة التي كان يدرس فيها الملك فيصل الثاني، وإنه في حقيقة الأمر يعتبر نفسه يهودي الديانة عربي القومية، وإنه فاتح الرئيس المصري حسني مبارك ذات مرة بأنه يريد منه أن يتوسط له لدى صدام حسين كي يعود إلى وطنه الأصلي... «لقد قام الرئيس مبارك بما طلبته منه ولقد بدأت أستعد للعودة... لكن الرئيس العراقي (الأسبق) تراجع عن موافقته على عودتي في اللحظة الأخيرة». إن أكبر خطأ ارتكبه العرب هو أنهم لم يفرقوا بين الصهيونية واليهودية، وهو أنهم أخذوا الصالح بجريرة الطالح، وعادوا اليهودية كدين وليس الصهيونية كحركة سياسية، وهنا فإن ما يجب أخذه مثالاً هو أن نسيم نسر الأسير اللبناني في إسرائيل الذي أطلق سراحه يوم الأحد الماضي يعتبر يهودياً في القوانين والأعراف الإسرائيلية، وذلك لأن أمه بالأساس يهودية، لكن ومع ذلك فإنه عمل لحساب «حزب الله» حتى بعد حصوله على جواز السفر الإسرائيلي... ومثل نسيم هذا وأكثر بعض كبار المناضلين الفلسطينيين الذين أمهاتهم يهوديات لكنهم قاموا بأفعال بطولية من أجل تحرير وطنهم المحتل والمغتصب وسجنوا عشرات الأعوام في السجون الإسرائيلية. * كاتب وسياسي أردني