لا حل إذا بقي فيتو حزب الله !

نشر في 20-05-2008
آخر تحديث 20-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب

إذا لم يدمج «حزب الله» في الدولة اللبنانية كحزب سياسي مثله مثل الأحزاب الأخرى، وإذا لم تُنـزع ذريعة «المقاومة» من يد هذا الحزب، وإذا لم تنـزع أسلحته وتـُحلُّ جيوشه فإن الطوائف والتشكيلات الحزبية الأخرى ستمد أيديها إلى الخارج وستسعى إلى أن تكون لها ميليشياتها وجيوشها المسلحة.

حتى لو اتفق «المتفاوضون» في الدوحة على انتخاب الجنرال ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية، وعلى حكومة وحدة وطنية، وعلى قانون الانتخابات الذي يستهدف الإصرار عليه قوة تيار «المستقبل» في بيروت تحديداً فإن هذا الحل لن يكون أكثر من مجرد مُسكِّن مؤقت ما لم يتم خلع الضرس الملتهب في الفك المريض، وما لم يتوقف «حزب الله» عن أن يكون رأس جسر متقدم للنفوذ الإيراني ليس في لبنان فقط إنما في المنطقة كلها.

سيحاول «المتفاوضون» تجنب الفشل حفاظاً على ماء وجه الدولة المضيفة قطر، وهم بالتأكيد سيتجنبون أكثر القضايا استعصاءً، وسيصدرون بياناً بمفردات تطفح بشراً وحبوراً، لكن كل هذا سوف تذروه الرياح بمجرد العودة إلى لبنان والبدء بتنفيذ بعض ما اُتفق عليه، حتى إن كان يتعلق بالثانويات والأمور البعيدة عن جوهر القضايا المختلف بشأنها.

لن يكون هناك استقرار في لبنان مادام أن «حزب الله» يحتفظ بأسلحته بعيداً عن الحدود الجنوبية على بعد أكثر من سبعين كيلومتراً، ومادام أنه يقيم دولة داخل الدولة، ومادام أنه باسم «المقاومة» يملك حق «الفيتو» ويعطل أي قرار حكومي على غرار ما جرى عندما قام بانقلابه الأخير متذرعاً بالقرارين اللذين صدرا عن حكومة فؤاد السنيورة، وأُلغيا لاحقاً، وهما القرار المتعلق بشبكة اتصالات هذا الحزب، والقرار المتعلق باتخاذ إجراء إداري ضد مسؤول أمن مطار رفيق الحريري لتورطه في تركيب أجهزة تصوير لحساب حسن نصرالله في هذا المطار.

قد يعود المتفاوضون من الدوحة باتفاق يحمل أوجهاً يستطيع كل طرف تفسيره التفسير الذي يخدم وجهة نظره، وهذا هو الكارثة وهو «اللغم الموقوت» الذي سينفجر في أي لحظة، وهو سينفجر بالتأكيد مادام أن جذر المشكلة لم تتم معالجته، والمعروف أن جذرها هو أن إيران حوَّلت «حزب الله» إلى الوضع القائم الآن، أي دولة داخل الدولة اللبنانية، وأسلحة مكدسة داخل بيروت، وجيش «مذهبي» يخنق المباني والمؤسسات الحكومية في ساحة رياض الصلح.

إذا لم يدمج «حزب الله» في الدولة اللبنانية كحزب سياسي مثله مثل الأحزاب الأخرى، وإذا لم تُنـزع ذريعة «المقاومة» من يد هذا الحزب، وإذا لم تنـزع أسلحته وتـُحلُّ جيوشه فإن الطوائف والتشكيلات الحزبية الأخرى ستمد أيديها إلى الخارج وستسعى إلى أن تكون لها ميليشياتها وجيوشها المسلحة... إن هذا سوف يحصل إذا لم يكن هناك حل جذري، وإذا لم تشمل سيادة الدولة كل لبنان، وإذا بقي هذا الوضع القائم على ما هو عليه، وهذا معناه أن خطر الحرب الأهلية سيبقى قائماً وهذه هي الكارثة والطامة الكبرى.

في عام 1958 كانت هناك حرب أهلية نهايتها غالب ومغلوب لكن الطرف الغالب، الذي هو الجهة التي انحازت إلى الرئيس جمال عبدالناصر بحجة أن خصومها منحازون لحلف بغداد و«الرجعية العربية»، رفع ذلك الشعار: « لا غالب ولا مغلوب» الذي بقي يحكم المعادلة الطائفية والسياسية اللبنانية حتى بدايات سبعينيات القرن الماضي عندما دخلت المقاومة الفلسطينية على هذه المعادلة، واعتبر المسلمون «السنة والشيعة» أن هذه المقاومة هي جيشهم إذا كان الجيش اللبناني هو جيش الطوائف المسيحية.

لابد أن يتوقف التدخل الخارجي، الإيراني بالأساس، حتى يهدأ لبنان وليتوقف هذا التدخل لابد من نزع أسلحة «حزب الله»، ولابد من تجريده من حق «الفيتو» الذي يتمتع به الآن، ولابد من إنهاء ادعائه بأنه مقاومة، ويقينا أنه إذا لم يتم دمج هذا الحزب في الحياة السياسية اللبنانية من دون استثناءات ولا امتيازات، أسوة بالأحزاب الأخرى فإن الطوائف المتضررة والقوى المستضعفة الآن، حتى داخل الطائفة الشيعية نفسها، ستبدأ بالتسلح وستسعى إلى أن تكون لها ميليشياتها المسلحة، وهذا هو الطريق إلى الحرب الأهلية التي إن هي اشتعلت فإنها ستكون كارثة الكوارث.

* كاتب وسياسي أردني

back to top