لأنه لا يصح إلا الصحيح، فإن كل المحاولات التي استهدفت دور مصر الإقليمي، وشارك فيها العجم وبعض العرب، قد انتهت الى الفشل الذريع، وثبت للذين وقفوا على رؤوس أصابع أقدامهم ليظهروا بقامات تطاول القامة المصرية ان هناك ثوابت وأنه ليس كل من ادَّعى شيئاً استطاع الحصول عليه، وأن الدور المصري في هذه المنطقة غير طارئ ولا عابر، وأنه يتكئ على ماضٍ عمره آلاف السنين، وعلى حاضرٍ ركائزه الموقع الجغرافي وعدد السكان والتقدم في المجالات كافة والمكانة الدولية والالتزام القومي الذي عنوانه فلسطين والقضية الفلسطينية.

Ad

في البداية وكمقدمة لـ«سيناريو» حرب غزة جرى «تفْييع» الدبابير الملتحية ليس في المنطقة العربية فقط، وإنما في العالم كله وتوجيهها توجيهاً مركزياً لاتهام مصر بالتآمر على القضية الفلسطينية، وبالانحياز ضد الشعب الفلسطيني والسعي الدؤوب الى احراجها وتحريض جيشها على قيادته وتأليب شعبها على نظامه، والهدف هو ضرب الحلقة الرئيسية في السلسلة العربية لتكون هناك «يالطا» شرق أوسطية في غياب العرب الذين هم أهل هذه المنطقة وأصحابها.

ثم بعد ذلك جرى استهداف المبادرة المصرية لوقف العدوان على غزة، التي تقف خلفها دول عربية أخرى أطلق عليها الذين اعتبروا أنفسهم ممانعين اسم معسكر الاعتدال، وجرى أيضاً اعتراض طريق إعادة إعمار هذا «القطاع» الفلسطيني بالدعوة الى مؤتمر آخر غير المؤتمر الذي دعت إليه مصر، ثم وفي الاتجاه ذاته جاء التحرك على خط مشكلة دارفور وعلى خط المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية ولكن ولأنه لا يمكن ان يصح إلا الصحيح فإن كل هذه المحاولات، التي تشبه الوقوف على رؤوس أصابع الأقدام لمطاولة القامات المرتفعة، كان مصيرها الفشل، والشاهد هو هذا الذي يجري على أرض الواقع:

أولاً: لم تعد هناك أي مبادرة بالنسبة الى وقف إطلاق النار وضمان التهدئة على جبهة غزة إلا المبادرة المصرية، التي ورد نصٌّ واضحٌ بشأنها في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 والتي حظيت بدعم عربي من دون استثناء إلا الذين استثنوا هم أنفسهم، ودعم دولي كامل يبدأ بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وينتهي بالصين وروسيا واليابان والهند وكل الدول الإسلامية الآسيوية والإفريقية.

ثانياً: فشلت فشلاً ذريعاً محاولة تسويق مؤامرة إنشاء منظمة بديلة لمنظمة التحرير التي ازداد التمسك بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ونجحت مصر في إحضار كل الفصائل الفلسطينية الحقيقية والوهمية مرة أخرى الى طاولة المفاوضات، كما نجحت في مبادرة عقد مؤتمر لإعادة إعمار غزة وهو المؤتمر الذي سينعقد في القاهرة في بدايات مارس المقبل بحضور دولي مميز.

ثالثاً: لأن الرئيس السوداني عمر البشير يعرف ان محاولات اللعب بالقضايا السودانية الداخلية من أجل المشاغبة على مصر والتزاحم مع دورها الإقليمي في هذه المنطقة مصيرها الفشل الذريع، فإنه لم يجد بدّاً من التوجه الى القاهرة لإبلاغها وإبلاغ العجم وبعض العرب أنه لا يحق لأيٍّ كان أن يتطاول على مكانة «الأشقاء» المصريين الذين يربطهم بالسودان بالإضافة الى نهر النيل العظيم تاريخ طويل، سواء قبل الإسلام أو بعده، وحتى الآن... وبالنتيجة فإن هذه هي مصر وإن مصر هي مصر.

كاتب وسياسي أردني