«الفريدا يلنك» روائية من النمسا وحائزة العديد من الجوائز، وأهمها جائزة نوبل التي نالتها في عام 2004... وهي كاتبة لها القدرة على تقمص شخصياتها بالكامل، وأعني طريقة تفكير الشخصيات وتصرفاتها، والأهم من كل هذا كيف ينعكس على اللغة ومنطقها، وهناك كتاب عرب استطاعوا الكتابة عن طريق تقمص الشخصية، والقليل منهم نجح في التقمص الكامل، فبعضهم يتقمص باللغة والبعض الأخر يتقمص طريقة التفكير من دون أن ينعكس ذلك على اللغة إلا في ما ندر، مثل رائعة توفيق الحكيم «عودة الروح» التي تمثل التقمص بالكامل.

Ad

في روايتها (العاشقات) التي تحتوي على هذا الكم الهائل من السخرية اللاذعة والاستهزاء، والتهكم الشنيع، رواية محملة بأصالتها ومختومة بفرادتها، فيها هذا التقمص الكامل للشخصيات حتى أنطقتها بالحياة... والملاحظة الأخرى في الرواية هي إيقاعها الموسيقى، والجمل كلها تتحرك في حركة دائرية، بداية تنتهي لتتلقفها بداية أخرى، دوران متصل بين الجمل وهذا لاستناد اللغة على طريقة الإيقاع الشعبي في الميلودي، والسوناته العامة والملاحم.

والرواية باختصار تتكلم عن حياة «بريجيته» و«باولا» العاملتين في مصنع لخياطة الملابس الداخلية.

للنساء في قرية من قرى النمسا وكل منهن تحلم بزوج وبيت تملكه في النهاية، وهنا تعري «فريدا يلنك» كل نظام حياة القرية بقسوة شديدة تكشف عن الفساد والنفاق الاجتماعي والعنف، والسكر والاغتصاب والكراهية، حياة الجميع في كد وشقاء وتعب حتى ان القارئ يشعر بالاختناق ويسأل ما معنى الحياة في هذه الظروف وهذه القسوة؟

وسأنقل بعض المقتطفات من الرواية، ويجب ملاحظة الجمل التي بين القوسين تعود إلى «الفريدا يلينك».

«ذات يوم قررت بريجيته أنها تريد ألا تكون امرأة بأغلب كيانها فقط، بل امرأة بكل كيانها من أجل شخص اسمه «هاينتس». وهاينتس هذا كهربائي سيكون في المستقبل مالك محل، وهو ابن شرعي وبريجيته ابنة غير شرعية.

«كذلك بريجيته تشمئز من هاينتس ومن جسمه الأبيض السمين، جسم الكهربائي الذي اسمه أيضا هاينتس، وعلى الرغم من ذلك فهي أيضا فرحانة مرة أخرى، فرحانة جدا جدا، ميتة من الفرح، لأنها نالته، فهو مستقبلها».

«ولابد من طفل رضيع، دودة مقززة بيضاء متشبثة. بالنسبة إلى هاينتس سيكون الكلام بسيطا وموجزا: طفلنا، من شأنه أن يجسم الرباط الدائم الذي تسعى إليه بريجيته»، لاحظ الجملة السابقة... لا الحب ولا الطفل الذي ليس أكثر من دودة مقززة هو الدافع للارتباط ولكنها الانتهازية.

«تحاول بريجيته متظاهرة علنا بالحب والهيام أن تمسك يد هاينتس أو تضطر أحيانا أن تجري بجانبه الساعات الطوال لكي تنال مرة فرصة أن يعطيها يده، عندئذ تمسكها مبسوطة كل الانبساط حتى إنها لتطبع عليها قبلة».

(هاينتس مسرور لأنه وجد في النهاية أنسانا يقهره، ما يكاد يلمح بريجيته حتى يتهيأ ويأخذ وضع الاستعداد، انه يزفر عن قوة لا عن حب، على بريجيته مؤقتا أن تخفي كرهها بعناية، فمازالت هي لا أحد، أي خياطة سوتياناتو تريد أن تصبح أحدا، أي زوجة، هاينتس».

«لا المطارد هاينتس ولا الصياد المسكين المرهق الذي هو بريجيته يمنحان فسحة للراحة، والصياد يكون أحيانا أسوأ من الصيد».