فايز قزي... قراءة سياسية لحزب الله - من حسن نصر الله إلى ميشال عون حزب اللَّه... حزب ملتبس مغلق منهجاً ومستقبلاً على كل علاقة أو تفاهم أو تحالف! الحلقة الثالثة والأخيرة

نشر في 27-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 27-11-2008 | 00:00
تشاء المصادفات أن تفاجئني بـ «وثيقة التفاهم» بين التيار العوني و«حزب اللّه» الموقعة في 6 فبراير (شباط) 2006، واندلاع حرب 12 يوليو (تموز) 2006 بسبب عملية الخطف التي قام بها الحزب، ثم تتطور الأحداث الداخلية والإقليمية وتختلط المواقف وتتداخل المفاهيم والتفسيرات حتى على المتخصصين من العاملين في الحقل السياسي، فكانت قراءتي لـ«حزب الله»، خير عون لي كي «أتعرف وأتذكر وأبحث وأستفيد» لعلّي أكتشف سر هذا الحزب الذي أدَّى انتصاره الإلهي في يوليو (تموز)- أغسطس (آب) 2006 إلى نشوة المؤيِّدين والحلفاء وحتى المتفاهمين معه، ولكنه أيقظ مشاعر الحذر والخوف لدى معارضيه.

مستقبل «حزب الله»

نتساءل مع الشيخ نعيم في نهاية كتابه (الفصل السابع) عن مستقبل «حزب الله»... الذي أطلَّ على الساحة العملية من خلال المقاومة إطلالة عسكرية إذ لم تكن الحياة السياسية زمن نشوئه موجودة في لبنان بسبب الحرب الداخلية... (موضحاً في الهامش الصفحة 385) أنه منذ تأسيس الحزب عام 1982 إلى سقوط العماد عون 1990 كان الانقسام قائماً بين منطقتين شرقية وغربية».(ص 385)

إن إنكار وجود حياة سياسية في لبنان سنة 1982، وَهْمٌ لا يعتمده عادة إلا الشعبيون والطفيليون الذين يزيّنون لأنفسهم أن الحياة السياسية تبدأ معهم وبهم فقط دون سواهم من السابقين أو اللاحقين. يصف الرئيس الأسبق للجمهورية الفرنسية فرنسوا ميتران مثل هذه الادعاءات بأنها لا تصدر إلا عن Noviste.

ولا أدري لماذا يتعمَّد الشيخ نعيم إخفاء مرحلة التحضيرات للحزب قبل 1982، ومرحلة التأسيس والنشوء حتى 1985، حين خرج الحزب برسالته إلى العلن، خصوصا أن هذه التحضيرات والتأسيس والنشأة نقرأها لدى الكثير من المطَّلعين والباحثين المتخصِّصين، الذين أشرنا إلى بعضهم سابقاً. وقد تميَّزت وانطبعتْ مراحل التحضير والتأسيس والنشوء بالدور المطلق والشامل والحاسم لإيران ولحراس الثورة الإيرانية ولحزب الدعوة العراقي، عناصر وتسليحاً وتدريباً وتمويلاً، وللمخابرات السورية تسهيلاً ودعماً لوجستياً وإشرافاً وحماية ودعماً داخلياً، كما اتسمت أيضاً بالانغلاق على وسيلة الجهاد العسكري والعنفي ليس فقط لمواجهة إسرائيل بل لبناء المجتمع والدولة الإسلامية في لبنان.

ولكن الشيخ نعيم لا يخفي كيف أن الانطباع الذي رافق الحزب حتى سنة 1992 «ولَّد مناخاً عاماً عن حصرية اهتمام الحزب بالمقاومة، وقد شمل أيضاً هذا الانطباع الخاطئ شريحة من قاعدة الحزب...».

الإسلام عقيدة الدولة والمجتمع

ثم ينقلنا الشيخ نعيم إلى «الاكتشاف التدريجي لنظرة الحزب الشمولية... فالحزب إسلامي قبل أن يكون مقاوماً، والتزامه العقائدي هو الذي دفعه ليرفض الاحتلال ويقاتل إسرائيل»... ولعل إسلامه اللاعربي حال دون اعتراضه على استمرار الاحتلال التركي للواء الاسكندرونة والإيراني لعربستان وجزر الخليج الثلاث ومدينة صفوان العراقية قبل تحريرها من قبل الجيش العراقي الذي جرت معاقبة ضباطه بعد الاحتلال الأميركي- الإيراني.

ومادام الإسلام في الحزب هو الأصل والطريق والهدف، وما المقاومة الإسلامية إلاَّ واجب جهاد ديني ضد الاحتلال. فلا يبقى الواجب قائماً إذا تناقض مع الأصل والطريق والهدف والدين!

ولذا جاز سؤال الشيخ نعيم قاسم وحزبه، عن واجب وإلزامية التمييز بين المقاومة والجهاد من جانب والتحرير والغزو على الجانب الآخر:

أ‌- ماذا لو كان المحتل مسلماً وليس يهودياً في فلسطين؟

وهل استعادة فلسطين تستند إلى جرم الاغتصاب والحق التاريخي؟

ب- وهل الحق التاريخي عام أم ينحصر بالمسلمين؟

وماذا لو استعاد غير المسلم من مسلمي اليوم أرضاً كانت له في زمن مضى؟

ج‌- وهل الإسباني مثلاً هو محتل اليوم في الأندلس؟

هذه الأسئلة ليست مجرد افتراض «خبيث».

• إذ يجوز لنا التشبيه والاقتباس من صمت «حزب الله» عن احتلال لواء الإسكندرونة من قبل تركيا، والخليج العربي الذي «فرَّسُوه» وجزره الثلاث المحتلة من قبل إيران، كما اغتصبت أيضاً منطقة عربستان العراقية بالتواطؤ مع بريطانيا العظمى التي رفع رؤساء عشائرها إلى الجامعة العربية مذكرة في 7/2/1946 قالوا فيها: «... إن الخطر الإيراني الذي يهدد الكيان العربي في عربستان أشد من الاستعمار ولا يقلّ خطورة عن الصهيونية في فلسطين... باسم القومية العربية وباسم التآخي العربي نستنجد العون من الجامعة العربية لمؤازرة إخوان لهم في التاريخ واللغة والتقاليد... قبل القضاء علينا قضاءً كلياً» (وثائق الجامعة العربية). وبقي الاستنجاد دون نتيجة حتى اليوم. ويبدو أكثر وضوحاً أن أطماع إيران في منطقة الخليج عادت للظهور مجدداً من خلال مطالبة الصحف الإيرانية بدولة البحرين أخيراً.

• كما انه يجوز لغيرنا أيضاً التساؤل ما إذا كان تساهل الحزب بل قبوله «للاحتلال السوري للبنان» ينطلق من منطق الحزب وفهمه الإسلامي الأممي المتسامح أو المؤيد للاحتلال الإسلامي بمنطق الأسس الشرعية التي تعتبر غزو الأراضي غير المسلمة هو جهاد مقدس؟

د- وهل «حزب الله» (المسلم) معني فقط باحتلال غير المسلمين لأراض مسلمة حتى خارج لبنان والعالم العربي أيضاً؟ وهل هذا ينطبق على فهمه الأصولي الأممي للإسلام؟!

هـ‌- وهل يوجد أو يحتمل أو يُقْبل بين صفوف «حزب الله» مشاركة السُنّة؟ أو الدروز؟ أو المسيحيين؟! ولن نسأل طبعاً عن اليهود ولو كانوا غير صهاينة.

بعض أسئلة نطرحها هنا وفقاً للأعراف الإنكليزية التي توجب صيغة السؤال... وإن كان الجواب معروفاً لدينا.

توقعات المستقبل: نصر الله للأئمة الوارثين

في استكشاف المستقبل يعرض الشيخ نعيم مؤشرات التقييم بدءاً بالمنهج وهو الإسلام الذي بني عليه «حزب الله» وانطلق يؤمل الحزب والأمة في الدائرة الشعبية الواسعة ثم بإنجاز تجربة عملية في ساحة الجهاد تترجم المضمون الإسلامي السليم.(ص 395)

وعلى هذا الأساس، فإن الاستمرارية في الجهاد متوقعة أكثر من أي احتمال آخر

ونسأل الشيخ نعيم ماذا بعد هذا التكتم والضم والتصعيد؟ وما نفع «التفاهم» اليوم على بعض النقاط المشتركة بيننا داخلياً او مع الجوار والعالم مادام أفق الحل مغيَّباً قصداً ومجهولاً في كتابك وأدبيات الحزب؟! ألا يساوي ذلك الاستحالة في قراءتنا وفهمنا لمستقبل العلاقة مع الحزب؟!

وفي نهاية هذه المحطة أصل مع الشيخ نعيم إلى ختامه ومسكه في «توقعات المستقبل»، التي يحسمها في الصفحة الأخيرة من كتابه 398: «... فإذا كنا مؤمنين بنصر الله تعالى فهو آت: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (القصص- آية 5)، وإذا كنا واثقين بأننا نمهد لظهور الإمام المهدي (عج) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، فإن المستقبل واعد، وعلى الله فليتوكل المؤمنون، (انتهى)». وفي ختام قراءتي السياسية لـ«حزب الله» أجد نفسي قد وفيت بوعدي مع القارئ الكريم بمشاركته في مراجعة كتاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم... ولكنني خدمة للحقيقة التي ننشدها جميعاً سأتابع كتابة الفصل الأخير.

الاستحالات التسع

عندما بدأت قراءة كتاب «حزب الله» معتقداً أنني أمام استحالات ثلاث فقط، إلا أنني أرتأيت بعد أن أنهيت هذه القراءة تسجيل قناعاتي التي رسخها الكتاب في استحالات تسع:

1- إنني كعلماني مدني السلوك، لا أجد أي مجال للتفاهم مع «حزب الله»، فهل يتراجع الحزب عن بناء الدولة الدينية ويقبل الدولة المدنية الموحدة؟ (استحالة دينية أولى!)

2- إنني كمسيحي الإيمان، لا أجد مكاناً لي في دولة «حزب الله» ومشروعه المستقبلي، فهل يريد «حزب الله» دفع الأقليات غير المسلمة الى بناء وحدات سياسية مستقلة كمقدمات لتقسيم لبنان؟ (استحالة دينية ثانية!)

3- وإنني كلبناني الهوية والانتماء، لم أقرأ شهادة «وطني لبنان» لا في المنهج ولا في التجربة ولا في المستقبل. وأتساءل هل إن تحرير مناطق «محتلة» في الجنوب هو مشروع ملتبس؟ أو يبدو مجرد واسطة لأهداف غير لبنانية في نهاية المطاف؟! (استحالة وطنية!)

4- وأنا كعربي النزعة والبيئة الجغرافيّة، لم أقرأ في كتاب الشيخ نعيم شهادة «أمتنا العربية»؟!. فهل الأمة التي يحدثوننا عنها هي «أمة الحزب»؟ (استحالة قومية!) ولعل هذا ما يبعد الحزب عن أدبيات تحرير عربستان والإسكندرونة والجزر العربية في الخليج، وأخيراً عدم مشاركة «حركة أمل» في حرب المخيمات الفلسطينية، والأكثر حداثة اعتبار مخيم نهر البارد خطاً أحمر بوجه جيش لبنان! أم أنه ينطبق على وصف السيد علي الأمين مفتي جبل عامل «إن خوف «حزب الله» من تجاوز الخطوط الحمر حتى في نهر البارد يعود إلى خطوط حمر رسمها الحزب له ولشركائه في مربعات ومواقع سيطرته الإثنية والسياسية»؟! (مقابلة تلفزيونية في محطة LBC).

5- وأنا لو كنت مسلماً عربياً لتساءلت مع محمد حسنين هيكل الذي قال: «إن الروح التي دفعت الإيرانيين للصمود في حربهم ضد العراق هي قوميتهم وليس الدين، وهكذا رأى الخميني المضمون الإسلامي لثورته يفقد بريقه إذ تخللته القومية الفارسية التي يقول إنه لا يعبأ بها». (استحالة اثنية مذهبية أولى!)

6- وأنا لو كنت مسلماً سنياً مؤمناً لفرقني عنكم تشيّعكم! (استحالة مذهبية ثانية!)

7- ولو كنت شيعياً لأنحزت طبعاً الى التشيع العلوي العاملي لا النجفي ولا الصفوي، بل على مذهب الشيعية الوطنية كما كتب هاني فحص في كتابه «الشيعة والدولة في لبنان» (ص9): «هناك شيعية وطنية تحمل من الخصوصيات ما لا يؤدي إلى تعارضها مع العام والمشترك أو الثابت، جماعة شيعية باكستانية وخليجية وأفغانية وهندية ولبنانية وعراقية وإيرانية تسهم في بناء أوطانها وتوالي هذه الأوطان. وهذه الشيعية لم يكن همها استلام الفقيه السلطة». (استحالة حضارية أولى!)

8- ولو كنت شيعياً إيرانياً لعارضت ولاية الفقيه الخامنئي وانحزت إلى المدارس الشيعية الإصلاحية والتجديدية بمداها الحضاري الفارسي. (استحالة حضارية ثانية!)

9- وكسياسي لبناني مستقل، لا أرتاح لارتباطكم العسكري والمالي والعقائدي بالحرس الثوري الإيراني (بقيادة يحيي رحيم الصفوي)، ومع انني أفهـم وأبرِّر تساؤل النائب وليد جنبلاط: «ماذا يفيد استخدام التحرير كحجة لابقاء الارتباط بمحاور خارجية تستهدف استقرار لبنان واستقلاله واقتصاده؟ ولماذا يوضع خيار التحرير في مواجهة خيار الاستقلال؟» (جريدة الأنباء 6/6/2007)، إلا أنني اشفق عليكم من الوصف الذي استعمله رئيس الهيئة التنفيذية للحركة اليسارية منير بركات في حديث صباحي مع تلفزيون لبنان في 3/6/2007 حيث أجاب المذيعة بأن «المقاومة تحولت إلى وظيفة إقليمية مرتزقة يقوم بها «حزب الله» لصالح قوى إقليمية». فهل نقرأ يوماً لـ«حزب الله» لافتة تقول: «الرأي والمشورة، القرار والأمرة، الطاعة والولاء للبنان»؟ وهل يخرج «حزب الله» من ولائه لدولة المركز الإيراني؟! (استحالة سياسية أولى!)

وأُوقِفُ العَدَّ عند الاستحالة التاسعة، فإن كانت الدبلوماسية والتكتيكات السياسية والحزبية تفرض على وليد جنبلاط أن يقول: «إن معركة الاستقلال «توازي» معركة التحرير وتلتقي معها»، فإن ذلك لا يمنع، ومن باب الحرص على الدقة والحق، أن نقرأ في إحداثيات «التحرير سنة 2000»، وما استتبعه من تهجير، وإصرار الحزب على عدم دخول الجيش اللبناني للشريط المحرر، ما يُفقِدُ التحرير ارتباطه المفترض باستعادة السيادة من المحتل الإسرائيلي إلى الدولة اللبنانية، وإلاَّ تحوّل التحرير جهاداً وغزواً وتحولَّت المقاومة عنفاً وإرهاباً. فهل استوجب هذا التحولُ حربَ تموز 2006 وتَدَخّل مجلس الأمن بالقرار 1701 حتى تعود السيادة؟! يذكرنا ذلك بالشعار الفرنسي سنة 1961: «الجنرال ديغول يحررنا من الجزائر ثم الجزائر تحررنا من ديغول»! (استحالة سياسية ثانية!). إذن أنتم حررتم أرض وشعب الجنوب من المحتل فمن يحرر أرض وشعب الجنوب منكم؟!

هذه المستحيلات التسع تجعل من «حزب الله»، في صورته الحاضرة، حركة جهاد عسكرية مغلقة في الفصول والأصول المذهبية، غير اللبنانية والعربية والإنسانية وبعيدة عن الحداثة المدنية وتفاعل الحضارات الإيجابي. وبالتالي فهو حزب ملتبس مغلق في المنهج والمستقبل على كل علاقة أو «تفاهم» أو تحالف. فإذا كانت تجارب «الضرورة» المعتمدة على «فقه الضرورة» تظهره أحياناً بصور لبنانية منفتحة، فقد أحسن وصف ذلك الأستاذ وضاح شراره بقوله: «وأمست «المقاومة الإسلامية سلكاً عسكرياً محترفاً تناط به مهمات سياسية وعسكرية تتقدم الدعوة الثورية ولا تقتصر عليها». (وضاح شراره- دولة حزب الله- ص173).

هذه الاستحالات طبعاً ليست فقط موجهة الى «حزب الله»، بل إلى التنظيمات الأصولية والتكفيرية السنية كلها وعلى رأسها «القاعدة» وفروعها، فعندي يتساوى التشيع الصفوي بالتسنن الأموي. وهما يتنافسان على بيع السعادة المحققة على الأرض بوعد السماء المؤجل.

«النهاية»

back to top